الثلاثاء، 24 يناير 2012

الدُّعاء من الكتاب والسنة


1- {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: 25- 28].
2- {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص: 16].
3- {رَبَّنَا ءامَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 53].
4- {رَبَّنَا ءاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201].ِ
5- {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285].
6- {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286].
7- {حَسْبِي اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة:129].
8- {عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} [القصص: 22].
9- {رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص: 21]. 
10- {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23].
11- {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [هود: 47].
12- {رَبَّنَا ءامَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون: 109].
13- {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 65- 66].
14- {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].
15- {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح: 28].
16- {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127-128].
17- {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم: 40].
18- {رَبَّنَا ءامَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة: 83].
19- {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35].
20- {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24].
21- {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة: 4].
22- {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء: 89].
23- {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87].
24- {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [يونس: 85-86].
25- {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 147].
26- {رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون: 118].
27- {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8].
28- {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 191-194].
29- {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف: 15].
30- {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10].
31- {رَبَّنَا ءاتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف: 10].
32- {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].
33- {رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 97-98].
34- {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 41].
35- {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ}[الشعراء: 83-85]، {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} [الشعراء: 87].
36- {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100].
37- {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم: 8].
38- {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 16].
39- {رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} [العنكبوت: 30].
40- {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 47].
41- {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الممتحنة:5].
42- {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19].
43- {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران: 38].

الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

حفظ القرآن الكريم فى 1000 يوم

طريقة الحفظ :
1. أن يحفظ الشخص في كل يوم صفحة واحدة فقط
2. بعد حفظ خمس صفحات يكون اليوم السادس للمراجعة ،وهكذا حتى نهاية الجزء
3. بعد حفظ جزء كامل تخصص أربعة أيام لمراجعة الجزء المحفوظ
4. بعد حفظ خمس أجزاء (حسب الطريقة السابقة) تخصص عشر أيام لمراجعة الأجزاء الخمسة المحفوظة
5. عند إتمام حفظ عشر أجزاء تخصص خمسة عشر يوما لمراجعة الأجزاء العشر
6. عند إتمام حفظ خمسة عشر جزء تخصص خمسة وعشرين لمراجعة الأجزاء المحفوظة
7. عند حفظ عشرين جزء تخصص ثلاثين يوما للمراجعة الشاملة لمراجعة الأجزاء المحفوظة
8. عند حفظ خمسة وعشرين جزء :تخصص خمسة ثلاثين يوما للمراجعة الشاملة لمراجعة الأجزاء المحفوظة
9. عند إتمام حفظ القرآن كاملا تخصص خمسة و أربعين يوما للمراجعة الشاملة
10. بهذه الطريقة تكون قد حفظت القرآن في 1000 يوم.


مقترحات للحفظ :
1. لك حرية اختيار الجزء الذي تريد حفظة ، وحرية اختيار الوقت والمكان
2. استغل أوقات الفراغ في الحفظ والمراجعة ولا تضيعها ،ومن الأوقات التي تستغل أثناء انتظارك لإنجاز معاملة ما ،وبعد صلاة الفجر ، بين الأذان والإقامة ، بعد صلاة الظهر...الخ
3. استخدم الورقة والقلم في كتابة الآيات التي ستحفظها.
4. قم بتصوير الصفحة التي تريد حفظها واجعلها معك طوال اليوم لتحفظ منها مع مراعاة عدم دخولك الحمام بها
5. استخدم الشريط للآيات التي ستحفظها واستمع لها أثناء القيادة أو أثناء استراحتك قبل المنام
6. اجعل لك شيخا تقرا عليه القران لتحسن القراءة والتلاوة والتجويد.
7. اشترك مع عائلتك أو أصدقائك في حفظ الآيات ويفضل وضع مكافأة مادية.
8. احرص على قراءة ما تحفظه في صلواتك (الفرائض، السنن،التطوع)
9. اقرأ تفسير الآيات التي ستحفظها ليسهل عليك الحفظ
10. اجعل نيتك خالصة لله تعالى ،ثواب الله عز وجل
11. أن تضع بين يديك الفضل العظيم في حفظ القرآن
12. ابتعد عن التسويف و ابدأ بعزيمة قويه وهمة عالية في حفظ القرآن
13. و أخيرا ابتعد عن الذنوب والمعاصي فإنها سبب رئيسي في عدم الحفظ وكثرة النسيان


السبت، 24 ديسمبر 2011

أحاديث صوم المحرم في الكتب الستة رواية ودراية



بسم الله الرحمن الرحيم
 :الحمد لله ربنا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، أما بعد

فهذا موضوع لطيف أجمع ما ورد من الأخبار والأحاديث الواردة في صوم شهر الله المحرم من غير تخصيص يوم أو أيام بعينها من الشهر كتاسوعاء وعاشوراء – وقد أفردت فيه جزءاً – مما جاء في الكتب الستة، وأشير إلى ما جاء في بعضها من ضعف أو شذوذ.وأشير لبعض النكت والفوائد الحديثية المتعلقة ببعض الأحاديث. وختمت الباب بذكر الفوائد المتعلقة بالأحاديث رواية. والله اسأل أن ينفع بها.

أولاً: فقه الأحاديث دراية :

وقد رتبت الأحاديث على قسمين :
1- ما أخرجه الشيخان أو أحدهما وخرّجه أهل السنن.
2- ما انفرد به أهل السنن عن الشيخين.


أولاً: ما أخرجه الشيخان أو أحدهما وخرّجه أهل السنن :

1- حديث أبي عوانة عن أبي بشر عن حميد بن عبدالرحمن الحميري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل )

أخرجه مسلم ( كتاب الصيام ح 1982) والترمذي [ ( كتاب الصلاة – باب ما جاء في فضل صلاة الليل ح 438 وقال حسن صحيح ) و ( كتاب الصوم – باب ما جاء في صوم المحرم ح 740 وقال حسن صحيح ) ] والنسائي ( كتاب الصلاة – باب فضل صلاة الليل ح 1613) من طريق قتيبة بن سعيد به. ومن طريقه وطريق مسدد أخرجه أبو داود ( كتاب الصوم – باب في صوم المحرم ح 2429 .(

وأخرج مسلم الخبر من حديث عبدالملك بن عمير عن محمد بن المنتشر عن حميد به ( كتاب الصيام ح 1983 ) من طريق جرير وزائدة به. ومن طريق زائدة أخرجه ابن ماجه في سننه ( كتاب الصيام – باب صيام أشهر الحرم ح 1742)

وقد جاء الخبر مرسلا من حديث شعبة عن أبي بشر عن حميد بن عبدالرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه النسائي في سننه ( كتاب الصلاة – باب فضل صلاة الليل ح 1614) قال النسائي : أرسله شعبة بن الحجاج.

فالحديث حيئذ رُوي موصولا ورُوي مرسلا فهل وصله صحيح ؟

سئل إمام العلل في زمانه الدارقطني عن هذا الحديث ) العلل 9/89-91) فقال :
" اختلف فيه على حميد بن عبدالرحمن فرواه عبدالملك بن عمير واختلف عنه فرواه زائدة بن قدامة وأبو حفص الأبار والثوري وشيبان وأبو حمزة وأبو عوانة وعبدالحكيم بن منصور وعكرمة بن إبراهيم وجرير بن عبدالحميد عن عبدالملك عن محمد بن المنتشر عن حميد بن عبدالرحمن عن أبي هريرة. وخالفهم عبيدالله بن عمرو الرقي رواه عن عبدالملك بن عمير عن جندب بن سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم ووهم فيه والذي قبله أصح عن عبدالملك.

ورواه أبو بشر جعفر بن إياس عن حميد الحميري واختلف عنه فأسنده أبو عوانة عن أبي بشر عن حميد الحميري عن أبي هريرة وخالفه شعبه فرواه عن أبي بشر عن حميد بن عبدالرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم ورفعه صحيح " اهـ
وقال أبو حاتم كما في علل الحديث : " ( 564/1) والصحيح متصل حميد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى النقل المراد منه.

فالخبر حيئذ صحيح موصولا وإن روي مرسلا ، وقد نقل ابن القيم في تعليقاته على السنن أن الإمام الدارقطني رجح إرسال الخبر، ولم أقف على ما يشير إرسال الخبر عنه فإنه قد قال : " ورفعه صحيح ".

بيان بالنكت والفوائد الحديثية المتعلقة بهذا الحديث :

1- ليس لحميد بن عبدالرحمن الحميري عن أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح إلا هذا الحديث.

2- كل حميد بن عبدالرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه فهو حميد بن عبدالرحمن الزهري إلا هذا الخبر فهو حميد بن عبدالرحمن الحميري. قال الحميدي في الجمع بين الصحيحين ( 3/322( :
" وليس لحميد بن عبدالرحمن الحميري عن أبي هريرة في الصحيح غير هذا الحديث ، وليس له في البخاري في صحيحه عن أبي هريرة شيء " اهـ

3- أبو بشر اسمه جعفر بن أبي وحْشية (إياس ) كما نص عليه أبو عيسى الترمذي في جامعه عقب الخبر.

4- جاء هذا الخبر عن جندب بن سفيان رضي الله عنه في غير الكتب الستة وهذا وهم من عبيدالله بن عمرو كما نص عليه الدارقطني في علله كما سبق وأبو حاتم كما في علل الحديث لابنه (1/563) .

5- وقع في رواية النسائي أن حميد بن عبدالرحمن هو ابن عوف الزهري وهذا وهم كما قاله الحافظ في النكت الظراف حيث قال : " وقد رواه غير ابن السني فلم يقل ابن عوف ونسبه مسلم في رواية الحميري " اهـ

ثانياً : ما انفرد به أهل السنن :

1- حديث عبدالرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي رضي الله عنه : سأله رجل فقال : أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان ؟ قال له : ما سمعت أحداً يسأل عن هذا إلا رجلا سمعته يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قاعد فقال : يا رسول الله ، أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان ؟ قال : ( إن كنت صائما بعد شهر رمضان فصم المحرم فإنه شهر الله فيه يوم تاب فيه على قوم ويتوب فيه على قوم آخرين )

أخرجه الترمذي في جامعه ) كتاب الصوم – باب ما جاء في صوم المحرم ح 741 وقال حسن غريب ) من حديث علي بن حجر عن علي بن مسهر به.

وهو من الأحاديث التي تفرد بها أبو عيسى الترمذي عن الخمسة ( البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه)
والخبر ضعيف ، في إسناده عبدالرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف كما في التقريب.


2- حديث يزيد بن عبدالله بن أسامة بن الهاد عن محمد بن إبراهيم أن أسامة بن زيد كان يصوم أشهر الحرم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صم شوالاً " فترك أشهر الحرم ثم لم يزل يصوم شوالاً حتى مات.

أخرجه ابن ماجه في سننه ( كتاب الصيام – باب صيام أشهر الحرم ح 1744) من حديث محمد بن الصبّاح عن عبدالعزيز الدراوردي به.

ووَجهُ ذكر الخبر هنا أن أسامة رضي الله عنه كان يصوم أشهر الحرم وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب ؛ ومحرم أحد الشهور الحرم فلذا أوردته هنا.

وهذا الخبر مما تفرد به ابن ماجه عن الخمسة ؛ ونادراً ما ينفرد ابن ماجه بحديث صحيح. وهذا الخبر ضعيف منقطع فلم يسمع محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي من أسامة ذكره في تهذيب التهذيب ونص عليه البوصيري في الزوائد.

3- حديث الجُرَيري عن أبي السّليل عن مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق فأتاه بعد سنة وقد تغيرت حالته وهيئته فقال : يا رسول الله ، أما تعرفني ؟ قال : " ومن أنت ؟ " قال : أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول ، قال : " فما غيّرك وقد كنت حسن الهيئة ؟ " قال : ما أكلت طعاما إلا بليل منذ فارقتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لم عذبت نفسك ؟ " ثم قال : " صم شهر الصبر ويوما من كل شهر " قال : زدني فإن بي قوة قال : " صم يومين " قال : زدني قال : " صم ثلاثة أيام " قال : زدني قال : " صم من الحرم واترك ، صم من الحرم واترك ، صم من الحرم واترك " قال بأصابعها الثلاثة وضمها.

أخرجه أبو داود ( كتاب الصوم – باب في صوم أشهر الحرم ح 2428 ) من حديث موسى بن إسماعيل عن حمّاد به ، وابن ماجه ( كتاب الصيام – باب صيام أشهر الحرم ح 1741) من حديث أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان به إلا أنه قال : عن أبي مجيبة الباهلية عن أبيه أو عن عمه.

وهذا الخبر من الأحاديث التي انفرد بها أبو داود عن الشيخين ؛ وقد جمع هذه الأحاديث الشيخ عبدالعزيز الطريفي في مجلدين.

وهذا الخبر ضعيف ففيه جهالة مجيبة الباهلية فقيل رجل وقيل امرأة من الصحابة وقيل أبو مجيبة الباهلية. وأعل الخبر بالاضطراب. وقد روي الخبر في المسند والطبراني من حديث كهمس الهلالي من غير ذكر صوم الحرم.

نكتة : الأحاديث الواردة في تسمية رمضان شهر الصبر ومنها هذا الخبر أسانيدها ضعيفة ، والمعنى صحيح.

ثانياً : فقه الأحاديث رواية :

هذه بعض الفوائد المتعلقة بفوائد الباب من الأحاديث والتي أصحها حديث أبي هريرة رضي الله عنه المخرج في الصحيح وهي :

1- فيه دليل على أفضلية التطوع بصيام شهر الله المحرم ؛ وقد أورد الخبر في كتاب الصوم جملة من أهل العلم منهم الإمام مسلم كدليل على الفضل. وقد نصّ النووي أن أفضل الشهور للصوم بعد رمضان محرم.

2- فيه دليل على أفضلية صلاة الليل ، وقد أورد الخبر في كتاب الصلاة بعض أهل العلم كدليل على الفضل.

3- وجه تسمية شهر محرم بشهر الله المحرم ما قاله الحافظ أبو الفضل العراقي فيما نقله عنه السيوطي في شرحه على سنن النسائي ( 207/3) :
" ما الحكمة في تسمية المحرم شهر الله والشهور كلها لله يحتمل أن يقال لما كان من الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال وكان أول شهور السنة أضيف إليه إضافة تخصيص ولم يصح إضافة شهر من الشهور إلى الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا شهر الله المحرم " اهـ

4- قوله ( أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ) ذكر النووي في شرحه المنهاج (3/55) أن أبا إسحاق المروزي – وهو من الشافعية – استدل به على أن صلاة الليل أفضل من السنن الراتبة وخالفه في ذلك أكثر الشافعية ، وقال النووي : " والأول أقوى وأوفق للحديث " وقد نقل النووي اتفاق العلماء على أن تطوع الليل أفضل من تطوع النهار.

5- مسألة : إن كان صوم المحرم أفضل الصيام بعد رمضان فكيف يجاب عن إكثار النبي صلى الله عليه وسلم الصيام من شعبان وعدم إكثاره من محرم ؟

ذكر النووي في المنهاج (3/55) احتمالين : " أحدهما لعله إنما علم فضله في آخر حياته والثاني لعله كان يعرض فيه أعذار من سفر أو مرض أو غيره ". وقد سمعت بعض مشايخنا يقول أن صيام شعبان من قبيل صوم النافلة قبل الفرض فهو أشبه بالرواتب وصيام محرم من قبيل التطوع المطلق.

6- مسألة : ما هو الأفضل في التطوع بالصوم: صوم شهر محرم أو صوم شعبان ؟

فضل صوم شهر الله المحرم ثبت من قوله عليه السلام ، وصوم شعبان ثبت من فعله عليه السلام. فهل يقدم قوله أو فعله ؟ وهذا من مباحث الأصول ؛ والأظهر تقديم قوله على فعله لأن قوله تشريع للأمة وفعله قد يرد عليه ما يرد من الخصوصية ونحو ذلك فصوم شهر الله المحرم أفضل على الصحيح.

فضل شهر الله المحرم


فضائل شهر الله المحرم وأحكامه
اللجنة العلمية بموقع المسلم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
إن من نعم الله _تعالى_ على عباده، أن يوالي مواسم الخيرات عليهم ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله، فما أن انقضى موسم الحج المبارك، إلا وتبعه شهر كريم هو شهر الله المحرم، فلعلنا نشير إلى شيء من فضائله وأحكامه.

أولاً: حرمة شهر الله المحرم:

قال _تعالى_: " إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ، وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" (التوبة:36)، وعن أبي بكرة _رضي الله عنه_ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ خطب في حَجِّتِه، فقال:" ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر بين جمادى وشعبان"، الحديث متفق عليه.
قال القرطبي: "خص الله _تعالى_ الأشهر الحرم بالذكر ونهى عن الظلم فيها تشريفاً لها، وإن كان منهياً عنه في كل الزمان، كما قال _تعالى_: " فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَج ِّ" (البقرة: من الآية197).
وعلى هذا أكثر أهل التأويل، أي: لا تظلموا في الأربعة أشهر الحرم أنفسكم، وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: " فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُم ْ" في الاثني عشر"ا.هـ
قال ابن كثير: "وقد اختلف العلماء في تحريم ابتداء القتال في الشهر الحرام، هل هو منسوخ أو محكم على قولين:
الأول وهو الأشهر : أنه منسوخ؛ لأنه _تعالى_ قال هاهنا: "فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ" وأمر بقتال المشركين، وظاهر السياق مشعر بأنه أمر بذلك أمراً عاماً، ولو كان محرماً في الشهر الحرام لأوشك أن يقيده بانسلاخها، ولأن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ حاصر أهل الطائف في شهر حرام وهو ذو القعدة كما ثبت في الصحيحين،
والقول الثاني : إن ابتداء القتال في الشهر الحرام حرام، وأنه لم ينسخ تحريم الشهر الحرام؛ لقوله _تعالى_:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ " (المائدة: من الآية2) .
ويحتمل أنه أذن للمؤمنين بقتال المشركين في الشهر الحرام إذا كانت البداءة منهم" ا.هـ.

ثانياً: فضل شهر الله المحرم:

قال ابن رجب: "وقد اختلف العلماء في أي الأشهر الحرم أفضل؟ فقال الحسن وغيره: أفضلها شهر الله المحرم، ورجحه طائفة من المتأخرين، وروى وهب بن جرير عن قرة بن خالد عن الحسن، قال: إن الله افتتح السنة بشهر حرام وختمها بشهر حرام، فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم، وكان يسمى شهر الله الأصم من شدة تحريمه، و أخرج النسائي من حديث أبي ذر _رضي الله عنه_ قال:" سألت النبي _صلى الله عليه وسلم_: أي الليل خير وأي الأشهر أفضل؟ فقال: "خير الليل جوفه، وأفضل الأشهر شهر الله الذي تدعونه المحرم"، وإطلاق النبي _صلى الله عليه وسلم_ في هذا الحديث أفضل الأشهر، محمول على ما بعد رمضان، كما في رواية الحسن المرسلة" ا.هـ.
ومما يدل على فضله ما رواه مسلم عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: " أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" .
قال ابن قاسم: "أي أفضل شهر تطوع به كاملاً بعد شهر رمضان شهر الله المحرم؛ لأن بعض التطوع قد يكون أفضل من أيامه كعرفة وعشر ذي الحجة، فالتطوع المطلق أفضله المحرم، كما أن أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل" ا.هـ.
قال النووي: " فإن قيل: في الحديث إن أفضل الصوم بعد رمضان صوم المحرم، فكيف أكثر الصيام في شعبان دون المحرم؟
فالجواب: لعله لم يعلم فضل المحرم إلا في آخر الحياة قبل التمكن من صومه، أو لعله كان يعرض فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه، كسفر ومرض وغيرهما" ا.هـ.
قال ابن رجب: "وقد سمى النبي _صلى الله عليه وسلم_ المحرم شهر الله، وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله، فإن الله _تعالى_ لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته، كما نسب محمداً وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم من الأنبياء إلى عبوديته، ونسب إليه بيته وناقته، ولما كان هذا الشهر مختصاً بإضافته إلى الله _تعالى_، وكان الصيام من بين الأعمال مضافاً إلى الله _تعالى_، فإنه له _سبحانه_ من بين الأعمال، ناسب أن يختص هذا الشهر المضاف إلى الله ، بالعمل المضاف إليه المختص به وهو الصيام، وقد قيل في معنى إضافة هذا الشهر إلى الله _عز وجل_، إنه إشارة إلى أن تحريمه إلى الله _عز وجل_ ليس لأحد تبديله كما كانت الجاهلية يحلونه ويحرمون مكانه صَفَراً، فأشار إلى أنه شهر الله الذي حرمه، فليس لأحد من خلقه تبديل ذلك وتغييره.

وفي هذا الشهر يوم حصل فيه حدث ،عظيم ونصر مبين، أظهر الله فيه الحق على الباطل؛ حيث أنجى فيه موسى _عليه السلام_ وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فهو يوم له فضيلة عظيمة، ومنزلة قديمة.
عن ابن عباس _رضي الله عنهما_ أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قدم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "ما هذا اليوم الذي تصومونه؟" فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، و أغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه، فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "فنحن أحق وأولى بموسى منكم" فصامه رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وأمر بصيامه"، متفق عليه، ولأحمد عن أبي هريرة نحوه وزاد فيه: " وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح شكرا ً" .
وعن ابن عباس _رضي الله عنهما_ قال:" ما رأيت النبي _صلى الله عليه وسلم_ يتحرى صيام يوم فضَّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان"، متفق عليه.
قال ابن حجر: "هذا يقتضي أن يوم عاشوراء أفضل الأيام للصائم بعد رمضان، لكن ابن عباس أسند ذلك إلى علمه، فليس فيه ما يرد علم غيره، وقد روى مسلم من حديث أبي قتادة مرفوعاً أن صوم عاشوراء يكفر سنة، وأن صيام يوم عرفة يكفر سنتين، وظاهره أن صيام يوم عرفة أفضل من صيام عاشوراء، وقد قيل في الحكمة في ذلك إن يوم عاشوراء منسوب إلى موسى _عليه السلام_، ويوم عرفة منسوب إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ فلذلك كان أفضل" ا.هـ.
وعن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت:" أرسل رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة"من كان أصبح صائماً فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه" فكنا بعد ذلك نصومه ونصوِّم صبياننا الصغار، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه حتى يكون عند الإفطار" ، متفق عليه

فضل يوم عاشوراء:

يوم عاشوراء له فضل عظيم وحرمة قديمة، فقد كان موسى _عليه السلام_ يصومه لفضله؛ بل كان أهل الكتاب يصومونه، بل حتى قريش كانت تصومه في الجاهلية، وقد وردت عدة أحاديث عن فضل عاشوراء وصيامه، منها:
ما جاء في صحيح مسلم عن أبي قتادة أن رجلاً سأل النبي _صلى الله عليه وسلم_ عن صيام يوم عاشوراء، فقال: " إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" رواه (مسلم 1976)، وهذا من فضل الله علينا أن جعل صيام يوم واحد يكفر ذنوب سنة كاملة.
وعن ابن عباس _رضي الله عنهما_ قال:" ما رأيتُ النبي _صلى الله عليه وسلم_ يتحرّى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان" ، رواه (البخاري 1867)، (ومعنى يتحرى، أي: يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه).

الحكمة من صيامه:

والحكمة من صيامه، أن يوم عاشوراء هو اليوم الذي نجى الله فيه موسى _عليه السلام_ وقومه من فرعون وجنوده، فصامه موسى شكراً لله _تعالى_، وصامه نبينا _صلى الله عليه وسلم_ وأمر بصيامه، فقد جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس _رضي الله عنهما_ قال: "قدم النبي _صلى الله عليه وسلم_ المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم النبي _صلى الله عليه وسلم_: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً لله فنحن نصومه، فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_: فنحن أحق بموسى منكم، فصامه رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وأمر بصيامه" .

أما الحكمة في صيام اليوم التاسع، فقد نقل النووي _رحمه الله_ عن العلماء في ذلك عدة وجوه :
أحدها: أن المراد من مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر.
الثاني: أن المراد به وصل يوم عاشوراء بصوم، كما نهى أن يصام يوم الجمعة وحده.
الثالث: الاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال ووقوع غلطٍ، فيكون التاسع في العدد هو العاشر في نفس الأمر.
وأقوى هذه الأوجه هو مخالفة اليهود كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله تعالى_.

مراتب صيام يوم عاشوراء:

أولاً: صيام اليوم التاسع واليوم العاشر، وهذا أفضل المراتب؛ لحديث أبي قتادة عند مسلم أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال في صيام يوم عاشوراء :أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله"، ولحديث ابن عباس عند مسلم أيضاً " لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر" .
ثانياً: صيام اليوم العاشر والحادي عشر؛ لحديث ابن عباس _رضي الله عنهما_، أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: " خالفوا اليهود صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده" ، أخرجه أحمد وابن خزيمة.
ثالثاً: صيام اليوم التاسع والعاشر والحادي عشر؛ لحديث ابن عباس مرفوعاً " صوموا يوماً قبله ويوماً بعده" .
رابعاً: إفراد العاشر بالصيام ؛ لحديث أبي قتادة عند مسلم " أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال في صيام يوم عاشورا: أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" .

شهر الله المحرم


إن شهر الله المحرّم شهرٌ عظيم مبارك ، وهو أول شهور السنة الهجرية ، وأحد الأشهر الحُرمِ التي قال الله فيها :  {  إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ  }  [ التوبة : 36 ] .

وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ).[ أخرجه البخاري في " صحيحه " ( 4662 ) ، ومسلم في " صحيحه " ( 1679 ) ].

وقوله تعالى :  {  فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ  }  خَصَّ اللَّه تَعَالَى الْأَرْبَعَة الْأَشْهُر الْحُرُم بِالذِّكْرِ , وَنَهَى عَنْ الظُّلْم فِيهَا تَشْرِيفًا لَهَا وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي كُلّ الزَّمَان . [ الجامع لأحكام القرآن ( 4/473 ) ]

مَا الْحِكْمَة فِي تَسْمِيَة الْمُحَرَّم شَهْر اللَّه وَالشُّهُور كُلّهَا لِلَّهِ ؟!

قال السيوطي في " شرح سنن النسائي " ( 1613 ) :

قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفَضْل الْعِرَاقِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ : مَا الْحِكْمَة فِي تَسْمِيَة الْمُحَرَّم شَهْر اللَّه وَالشُّهُور كُلّهَا لِلَّهِ ؟!

يَحْتَمِل أَنْ يُقَال : إِنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ الْأَشْهُر الْحُرُم الَّتِي حَرَّمَ اللَّه فِيهَا الْقِتَال, وَكَانَ أَوَّل شُهُور السَّنَة أُضِيفَ إِلَيْهِ إِضَافَة تَخْصِيص وَلَمْ يَصِحّ إِضَافَة شَهْر مِنْ الشُّهُور إِلَى اللَّه –تَعَالَى- عَنْ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا شَهْر اللَّه الْمُحَرَّم . اهـ

فضل الإكثار من صيام النافلة في شهر محرّم :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ ) . [ أخرجه مسلم في " صحيحه " ( 1163 ) ]

( أَفْضَل الصِّيَام بَعْد شَهْر رَمَضَان شَهْر اللَّه الْمُحَرَّم ) : تَصْرِيح بِأَنَّهُ أَفْضَل الْمَشْهُور لِلصَّوْمِ . وَأَمَّا إِكْثَار النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَوْم شَعْبَان دُون الْمُحَرَّم فَجَوَابه مِنْ وَجْهَيْنِ :

أَحَدهمَا : لَعَلَّهُ إِنَّمَا عَلِمَ فَضْله فِي آخِر حَيَاته .

وَالثَّانِي : لَعَلَّهُ يَعْرِض فِيهِ أَعْذَار مِنْ سَفَر أَوْ مَرَض أَوْ غَيْرهمَا . كما في " عون المعبود " ( 2429 ) .

يوم عاشوراء وفضل صيامه :

هو اليوم الذي نجى الله تعالى فيه موسى من الغرق كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا يَعْنِي عَاشُورَاءَ فَقَالُوا : هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ فَقَالَ أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ) .

قال النووي في " المجموع " ( 6 / 433 - 434 ) :

" وَعَاشُورَاءُ وَتَاسُوعَاءُ اسْمَانِ مَمْدُودَانِ , هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ , وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عَمْرِو الشَّيْبَانِيِّ قَصْرُهُمَا . قَالَ أَصْحَابُنَا : عَاشُورَاءُ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ الْمُحَرَّمِ , وَتَاسُوعَاءُ هُوَ التَّاسِعُ مِنْهُ, هَذَا مَذْهَبُنَا , وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ, وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : عَاشُورَاءُ هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ الْمُحَرَّمِ , ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ , وَتَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ إظْمَاءِ الْإِبِلِ , فَإِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْيَوْمَ الْخَامِسَ مِنْ أَيَّامِ الْوَرْدِ رِبْعًا - بِكَسْرِ الرَّاءِ - وَكَذَا تُسَمِّي بَاقِيَ الْأَيَّامِ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ فَيَكُونُ التَّاسِعُ عَلَى هَذَا عِشْرًا - بِكَسْرِ الْعَيْنِ - وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ أَنَّ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ, وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ اللَّفْظِ , وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ .

( وَأَمَّا ) تَقْدِيرُ أَخْذِهِ مِنْ إظْمَاءِ الْإِبِلِ فَبَعِيدٌ , وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَرُدُّ قَوْلَهُ ; لِأَنَّهُ قَالَ : ( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَذَكَرُوا أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى تَصُومُهُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : إنَّهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ يَصُومُ التَّاسِعَ ) وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الَّذِي كَانَ يَصُومُهُ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ هُوَ التَّاسِعَ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ الْعَاشِرَ , وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ عَاشُورَاءَ وَتَاسُوعَاءَ " اهـ ، وانظر " المغني مع الشرح الكبير " ( 3 / 57 – 58 ).

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : ( مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ ) [ أخرجه البخاري في " صحيحه " ( 2006 ) ] .

مَعْنَى " يَتَحَرَّى " أَيْ يَقْصِد صَوْمه لِتَحْصِيلِ ثَوَابه وَالرَّغْبَة فِيهِ . كما في " الفتح " .

وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ مرفوعاً : ( ... وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ ) [ أخرجه مسلم في "صحيحه " ( 1162 ) ] .

قال النووي في " المجموع " ( 6 / 428 - 431 ) :

" قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ : وَكُلُّ مَا يَرِدُ فِي الْأَخْبَارِ مِنْ تَكْفِيرِ الذُّنُوبِ فَهُوَ عِنْدِي مَحْمُولٌ عَلَى الصَّغَائِرِ دُونَ الْمُوبِقَاتِ ؛ هَذَا كَلَامُهُ .

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مَا يُؤَيِّدُهُ , فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا , إلَّا كَانَتْ لَهُ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً . وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

وَعَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ : ( الصَّلَاةُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مِنْ الذُّنُوبِ إذَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

( قُلْتُ ) وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَأْوِيلَانِ :

( أَحَدُهُمَا ) يُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ كَبَائِرُ , فَإِنْ كَانَتْ كَبَائِرَ لَمْ يُكَفِّرْ شَيْئًا لَا الْكَبَائِرَ وَلَا الصَّغَائِرَ .

( وَالثَّانِي ) وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ : أَنَّهُ يُكَفِّرُ كُلَّ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ , وَتَقْدِيرُهُ : يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا إلَّا الْكَبَائِرَ .

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله : هَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْأَحَادِيثِ - مِنْ غُفْرَانِ الصَّغَائِرِ دُونَ الْكَبَائِرِ - هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ , وَأَنَّ الْكَبَائِرَ إنَّمَا تُكَفِّرُهَا التَّوْبَةُ أَوْ رَحْمَةُ اللَّهِ .

فَإِنْ قِيلَ : قَدْ وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ وَوَقَعَ فِي الصَّحِيحِ غَيْرُهَا مِمَّا فِي مَعْنَاهَا , فَإِذَا كَفَّرَ الْوُضُوءُ فَمَاذَا تُكَفِّرُهُ الصَّلَاةُ ؟ وَإِذَا كَفَّرَت الصَّلَوَاتُ فَمَاذَا تُكَفِّرُهُ الْجُمُعَات وَرَمَضَانُ ؟ وَكَذَا صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ , وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ , وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ .

فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاءُ : أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ , وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ وَرُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ , وَذَلِكَ كَصَلَوَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالصِّبْيَانِ وَصِيَامِهِمْ وَوُضُوئِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عِبَادَاتِهِمْ , وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغَائِرَ , رَجَوْنَا أَنْ تُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ " اهـ .

يستحب صوم التاسع والعاشر جميعاً :

وهذا لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صام العاشر ونوى صيام التاسع :

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ ) [ أخرجه مسلم في " صحيحه " ( 1134 ) ] .

قال النووي في " المجموع " ( 6 / 433 - 434 ):

وَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي حِكْمَةِ اسْتِحْبَابِ صَوْمِ تَاسُوعَاءَ أَوْجُهًا :

( أَحَدُهَا ) أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْعَاشِرِ , وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : صلى الله عليه وسلم : ( صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ , وَخَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا ) .

(الثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَصْلُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمٍ , كَمَا نَهَى أَنْ يُصَامَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ , ذَكَرَهُمَا الْخَطَّابِيُّ وَآخَرُونَ .

(الثَّالِثَ) الِاحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ الْعَاشِرِ خَشْيَةَ نَقْصِ الْهِلَالِ , وَوُقُوعِ غَلَطٍ فَيَكُونُ التَّاسِعُ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْعَاشِرُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ . اهـ

وتأمل أخي دورة الأيام واستوحش من سرعة انقضائها فها نحنُ كنا من أيام نستفبل شهر رمضان ثم ما أسرع أن انقضى ؛ فاستقبلنا عشر ذي الحجة ويوم عرفة وما أدراك ما يوم عرفة ؛ ثم ما أسرع أن انقضى ، وها نحنُ قد استقبلنا شهر الله المحرم ويوم عاشوراء , فالبدار البدار قبل فوات الآوان ... وافزع إلى التوبة وصدق الالتجاء الى الله عز وجل ، وَوَطِّنْ أيها الحبيب نفسك على الطاعة وألزمها العبادة فإن الدنيا أيام قلائل ...

واعلم أنه لا يهدأ قلب المؤمن ولا يسكن روعة حتى تطأ قدمه الجنة ... فسارع إلى جنة عرضها السماوات والأرض وجنب نفسك ناراً تلظى لا يصلاها إلا الأشقى ... وعليك بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ( سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ) أخرجه البخاري في " صحيحه " ( 6464 ) ، ومسلم في " صحيحه " ( 2818 ) من أبي هريرة رضي الله عنه .

اللهم ثبتنا على الإيمان والعمل الصالح وأحينا حياة طيبة وألحقنا بالصالحين ... ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين ...

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين 

الأربعاء، 14 ديسمبر 2011

الاحزاب

الاحزاب المصريه
الحزب الوطني الديمقراطي - صدر قرار من المحكمة الادارية العليا بحله فى 16 ابريل 2011
حزب الوفد الجديد
حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى
حزب العمل المصري
حزب الأحرار
الحزب العربى الديموقراطى الناصرى
حزب الأمة
حزب مصر الفتاة
حزب الخضر المصري
حزب مصر العربى الاشتراكى
حزب التكافل الاجتماعى
حزب الشعب الديموقراطى
حزب الاتحادى الديمقراطى
حزب العدالة الاجتماعية
حزب الوفاق القومى
حزب مصر 2000
حزب الجيل الديمقراطى
حزب الغد
الحزب الدستورى الاجتماعى الحر
حزب شباب مصر
حزب السلام الديمقراطي
الحزب الجمهورى الحر
حزب المحافطين
حزب الجبهة الديمقراطية
حزب الوسط
حزب الاصلاح والتنمية
حزب الحرية والعدالة
حزب العدل
حزب المصريين الاحرار
الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي
حزب مصر الثورة
حزب مصر الحديثة
الحزب العربي للعدل والمساواة
حزب النور
حزب الإصلاح والنهضة
حزب الكرامة
حزب الأصالة السلفى
حزب الوعى
حزب الاتحاد
حزب الحرية
حزب المواطن المصرى
حزب حراس الثورة
حزب الاتحاد المصرى العربى
حزب مصر القومى
حزب البداية
حزب السلام الاجتماعى
حزب التحرير المصرى
حزب المساواة والتنمية
حزب حقوق الإنسان والمواطنة
حزب غد الثورة المصرى الجديد
حزب البناء والتنمية ( المنبثق عن الجماعة الإسلامية)
حزب غد المستقلين الجدد
حزب التحالف الشعبى الاشتراكى
حزب الثورة المصرية
حزب العدالة والتنمية المصرى
حزب الفضيلة
حزب صوت مصر

دليل الناخب

تعريفات مهمة:

بطاقة الانتخاب: هي الورقة التي يتسلمها الناخب داخل اللجنة الفرعية لكي يقوم ياختيار اثنين من المرشحين الواردة أسمائهم بها في النظام الفردي، واختيار إحدى القوائم الواردة أسمائهم في نظام القوائم، ثم يتم وضعها بصندوق الانتخاب.

اللجنة الفرعية: هي المكان الذي تتم فيه عملية الاقتراع (الانتخاب) ويتمثل غالباً في الحجرات المخصصة كفصول بالمدارس العامة.

اللجنة العامة: تكون لكل دائرة لجنة واحدة عامة ويتبعها كافة اللجان الفرعية الواقعة في نطاق هذه الدائرة، ويكون مقرها غالباً في مكان كبير نسبياً حيث تتجمع به صناديق الانتخاب من كافة اللجان الفرعية التابعة للجنة العامة لإجراء عملية الفرز.

اللجنة الانتخابية بالمحافظة: وهي لجنة واحدة بكل محافظة تعاون اللجنة العليا للانتخابات في إدارة العملية الانتخابية في نطاق اختصاصها.

اللجنة القضائية العليا للانتخابات: هي الجهة التي عهد القانون إليها بإدارة الانتخابات والاستفتاء بدءاً من إعداد قاعدة بيانات الناخبين حتى إعلان النتيجة وحفظ أوراق الانتخاب والاستفتاء. وهي لجنة قضائية خالصة، محايدة، و مستقلة تتمتع بكافة الضمانات القانونية.

رئيس اللجنة الفرعية: يرأس اللجنة الفرعية أحد أعضاء الهيئات القضائية من القضاة.

أعضاء اللجنة الفرعية: وهم أمناء وأعضاء اللجنة الفرعية وينتدبون لعضوية هذه اللجنة من بين العاملين المدنيين بالدولة.

رئيس وأعضاء اللجنة العامة: جميعهم من أعضاء الهيئات القضائية.

رئيس وأعضاء لجان انتخابات المحافظات: تشكل لجنة انتخابات المحافظة من أحد الرؤساء بمحاكم الاستئناف  رئيساً وعضوية أحد نواب رئيس هيئة النيابة الإدارية وأحد نواب رئيس هيئة قضايا الدولة، وأحد مستشاري محلس الدولة، ورئيس بالمحكمة الابتدائية.

رئيس وأعضاء اللجنة العليا للانتخابات: يرأس اللجنة العليا للانتخابية رئيس محكمة استئناف القاهرة وأعضاؤها ستة هم أقدم نائبين لرئيس محكمة النقض، وأقدم نائبين لرئيس مجلس الدولة، وأقدم رئيسين لمحاكم الاستئناف تاليين لرئيس محكمة استئناف القاهرة.

مندوب المرشح: هو أحد الأشخاص يختاره المرشح لكي يمثله داخل اللجنة الفرعية ويشترط أن يكون اسمه مقيداً بقاعدة بيانات الناخبين بتلك اللجنة ومن حقوق المندوب متابعة عملية الاقتراع - دون التدخل فيها - منذ بدايتها وحتى نهايتها.

وكيل المرشح: هو أحد الأشخاص يختاره المرشح لكي يمثله في نطاق اللجنة العامة ويشترط أن يكون مقيداً في قاعدة بيانات الناخلبين بإحدى اللجان الفرعية التابعة لها، ومن حقوقه المرور على اللجان الفرعية ومطالبة رئيس اللجنة بإثبات ما يتراءى له من ملاحظات.

قاعدة بيانات الناخبين: هي مجموع المواطنين الذين لهم حق الانتخاب أى ممن بلغوا ثمانية عشر عاماً وليسوا من الفئات المحرومة أو الموقوفة أو المعفاة من مباشرة الحقوق السياسية.

جمعية الانتخاب: هي المبنى الذي توجد به قائمة الانتخاب والفضاء المحيط به والذي يحدده رئيس اللجنة الفرعية.



مكان الانتخاب:
يكون في أحد الأماكن التي تحددها اللجنة العليا (غالباً إحدى المدارس العامة) والقريبة من محال إقامة الناخب وفي داخل نطاق قسم أو مركز الشرطة التابع له محل الإقامة.

المستندات التي يجب أن يحملها الناخب:
المستند الوحيد الذي يجب على الناخب أن يصطحبه معه يوم الانتخاب هو بطاقة الرقم القومي، ولا يعتد بأي مستند آخر في إثبات الشخصية.

كيفية الانتخاب:
١.  يتعرف الناخب على مكان اللجنة الفرعية المقيد بها بالوسائل المختلفة التي تعلن عنها اللجنة العليا للانتخابات
٢. يتوجه يوم الانتخابات خلال المواعيد المقررة من الثامنة صباحاً حتى السابعة مساء إلى مقر اللجنة الفرعية
٣. يقدم لرئيس اللجنة أوأحد أعضائها بطاقة الرقم القومي للتحقق من شخصيته
٤. بالنسبة لانتخابات مجلس الشعب - يتسلم من رئيس اللجنة بطاقتي انتخاب أحدهما للنظام الفردي والأخرى بلون مختلف لنظام القوائم
٥. يتوجه بهما خلف الساتر، ويؤشر بالقلم أمام اثنين من المرشحين داخل بطاقة النظام الفردي، ويؤشر أمام قائمة واحدة بالبطاقة الخاصة بنظام القوائم
٦. يقوم بطي كل ورقة على حدة، ويعود لرئيس اللجنة لوضع كل ورقة في الصندوق المخصص لها
٧. يقوم بغمس إصبع الإبهام باليد اليسرى في زجاجة الحبر الفسفوري
وبالنسبة لانتخابات مجلس الشورى تتبع ذات الإجراءات الخاصة بانتخابات مجلس الشعب.

حالات بطلان الصوت:
في ورقة الانتخاب بالنظام الفردي: إذا اختار الناخب أقل أو أكثر من اثنين من المرشحين
في ورقة الانتخاب بنظام القوائم: إذا اختار أكثر من قائمة، أو لم يؤشر على أي من القوائم، أو أشر أمام أسماء المرشحين بداخل أكثر من قائمة
ويبطل الصوت في أي من ورقتي الانتخاب إذا استعمل الناخب القلم الرصاص أو علق رأيه على شرط أو وقع على البطاقة أو اثبت بها أية إشارة أو علامة تدل عليه، أو إذا ثبت رأيه على بطاقة غير التي سلمها إليه رئيس اللجنة.

حقوق الناخب:١. أن يتسلم من رئيس اللجنة الفرعية بطاقة انتخاب مفتوحة على ظهرها ختم اللجنة وتاريخ الانتخاب
٢. أن يتوفر بمقر اللجنة ساتر يمكنه من إبداء رأيه في سرية
٣. عدم التأثير على وجهة صوته من أي من الأشخاص المتواجدين داخل مقر اللجنة الفرعية
٤. الناخبين المكفوفين وغيرهم من ذوي الإحتياجات الخاصة ممن لا يتمكنون من إثبات رأيهم بأنفسهم على بطاقة الانتخاب أن يبدوها شفاهة لأعضاء اللجنة ولهم أن يختاروا بين قيام أمين اللجنة بإثبات رأيهم في البطاقة، أو أن يعهدوا بذلك لمن يرافقهم داخل مقر اللجنة

واجبات الناخب:
١.  اصطحاب بطاقة الرقم القومي عند التوجه إلى مقر اللجنة الفرعية
٢. عدم حمل السلاح داخل جمعية الانتخاب
٣. إتباع التعليمات التي يحددها رئيس اللجنة الفرعية بوصفه المسئول عن حفظ النظام داخل اللجنة
٤. حظر الدعاية لأي من المرشحين داخل مقر اللجنة الفرعية بما في ذلك البوح بأسماء المرشحين أو القائمة التي قام بإختيارها أو ينوي إختيارها

الخميس، 8 ديسمبر 2011

الأحاديث الواردة في صيام عاشوراء


الحمد لله رب العالمين ، وصلى اللَّه وسلم وبارك على نبينا محمد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فإن يوم عاشوراء يوم عظيم، له فضيلة عظيمة ، وحرمة قديمة، وصومه كان معروفاً بين الأنبياء والمرسلين ، وعباد اللَّه الصالحين.
وإني في هذا البحث المختصر أذكر أشهر الأحاديث الواردة في فضل صومه والمراحل التي مر بها في مشروعيته:

ما ورد في فضل صيامه:
1- عن عبد اللَّه بن أبي يزيد أنه سمع ابن عباس رضي اللَّه عنهما وسئل عن صيام يوم عاشوراء؟ فقال: " ما علمت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صام يوماً يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم، ولا شهراً إلا هذا الشهر - يعني رمضان -" .
وفي لفظ: " ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم: يوم عاشوراء..".
أخرجه البخاري (4/245) (ح2006) ، ومسلم (1132) ، والنسائي (4/204) (ح2370)، وأحمد (1/367) ، وابن خزيمة (2086)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (3779)، وفي "السنن الكبرى" (4/286)، والطبراني (1254).

2- وعن أبي قتادة رضي اللَّه عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " صيام يوم عاشوراء، أحتسب على اللَّه أن يكفر السنة التي قبله" .
أخرجه مسلم (1162)، وأبو داود (2/321) (ح2425)، والترمذي (2/115) (ح749) ، وابن ماجة (1/553) (ح1738) ، وأحمد (5/308)، والبيهقي (4/286).

تعليق:
في هذين الحديثين دليل على فضل صوم يوم عاشوراء، وأنه يكفر السنة التي قبله. والمشهور عند أهل العلم أنه إنما يكفر الصغائر فقط، أما الكبائر فلابد لها من توبة.
قال النووي رحمه الله: " يكفر كل الذنوب الصغائر، وتقديره يغفر ذنوبه كلها إلا الكبائر .
ثم قال: صوم يوم عرفة كفارة سنتين، ويوم عاشوراء كفارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه.. كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفره من الصغائر كفّره، وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتبت به حسنات، ورفعت له به درجات، وإن صادف كبيرة أو كبائر، ولم يصادف صغائر رجونا أن تخفف من الكبائر" اهـ. المجموع (6/382).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وتكفير الطهارة، والصلاة وصيام رمضان، وعرفة، وعاشوراء للصغائر فقط" . الفتاوى الكبرى (4/428).
قلت: ويدل لذلك ما ثبت في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر" .

* ما ورد في الأمر بصيامه:
3- وعن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما قال: " قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، نجّى اللَّه فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامه، فقال: أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه" .
وفي رواية: " فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه" .
وفي رواية أخرى: " فنحن نصومه تعظيماً له" .
أخرجه البخاري (4/244) ح(2004) ، ومسلم (1130)، وأبو داود (2/426) (ح2444) ، وابن ماجه (1/552) ح(1734) ، والبيهقي (4/286).
وأخرجه أحمد (2/359) من حديث أبي هريرة وزاد: "وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي" وإسناده ضعيف، في إسناده عبدالصمد بن حبيب وهو ضعيف، وحبيب بن عبدالله وهو مجهول .
قال ابن كثير في تفسيره (2/448) - بعد أن أورده من هذا الوجه - : "وهذا حديث غريب من هذا الوجه" .

4- وعن الرُّبيع بنت معوِّذ رضي اللَّه عنها قالت: "أرسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة : من كان أصبح صائماً فليتم صومه، ومن كان مفطراً فليتم بقية يومه، فكنّا بعد ذلك نصومه، ونصوِّمه صبياننا الصغار، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم أعطيناها إياه، حتى يكون الإفطار" .
وفي رواية: " فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم، حتى يتموا صومهم".
أخرجه البخاري (4/200) (ح1960) ، ومسلم (1136) ، وأحمد (6/359) ، وابن حبان (8/385) (ح3620) ، والطبراني (24/275) (ح700) ، والبيهقي (4/288).

5- وعن سلمة بن الأكوع رضي اللَّه عنه ، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً من أسلم: "أن أذِّن في الناس: من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم عاشوراء" .
أخرجه البخاري (4/245) (ح2007) ، ومسلم (1135) ، والنسائي (4/192) ، والدارمي (2/22) ، وابن خزيمة (2092) ، وابن حبان (8/384) (ح3619) ، والبيهقي (4/288) ، والبغوي في "شرح السنة" (1784).

6- وعن أبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه قال: "كان يوم عاشوراء يوماً تعظّمه اليهود، وتتخذه عيداً، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "صوموه أنتم" .
وفي رواية لمسلم: " كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء، يتخذونه عيداً، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : فصوموه أنتم".
أخرجه البخاري (4/244) (ح2005) ، ومسلم (1131).
قال النووي: " الشارة بالشين المعجمة بلا همز، وهي الهيئة الحسنة والجمال، أي يلبسونهم لباسهم الحسن الجميل" . شرح مسلم (8/10).
وقال ابن الأثير: " الشارة: الرواءُ والمنظر الحسن والزينة". جامع الأصول (6/308).

7- وعن محمد بن صيفي رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء: " أمنكم أحد أكل اليوم، فقالوا: منا من صام، ومنا من لم يصم، قال: فأتموا بقية يومكم، وابعثوا إلى أهل العَروض فليتموا بقية يومهم".
أخرجه النسائي (4/192)، وابن ماجه (1/552) ، (ح1735)، وأحمد (4/388)، وابن خزيمة (2091) ، وابن حبان (8/382) (ح3617) .
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة " (2/30) : "إسناده صحيح" .
قلت: وهو كما قال.

- التخيير بين صيامه وإفطاره بعد فرض صيام شهر رمضان:

8- عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: " كان عاشوراء يصام قبل رمضان، فلما نزل رمضان كان من شاء صام، ومن شاء أفطر".
وفي رواية : " كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه" .
أخرجه البخاري (4/244) (ح2001) ، (2002) ، ومسلم (1125) ، وأبو داود (2/326) (ح2442)، والترمذي (2/118) (ح753) ، ومالك في "الموطأ" (1/299) ، وأحمد (6/29، 50، 162) ، وابن خزيمة (2080).

9-
وعن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما قال: "كان عاشوراء يصومه أهل الجاهلية، فلما نزل رمضان قال: من شاء صامه، ومن شاء لم يصمه" .
وفي رواية : وكان عبد اللَّه لا يصومه إلا أن يوافق صومه.
وفي رواية لمسلم: " إن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء، وأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صامه، والمسلمون قبل أن يفرض رمضان، فلما افترض، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " إن عاشوراء يوم من أيام الله، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه" .
وفي رواية له أيضاً : " فمن أحب منكم أن يصومه فليصمه، ومن كره فليدعه" .
أخرجه البخاري (4/102، 244) (ح1892) ، (2000) ، و(8/177) (ح4501)، ومسلم (1126) ، وأبو داود (2/326) (ح2443) ، وابن ماجه (1/553) (ح1737) ، والدارمي (1/448) (ح1711) ، وابن حبان (8/386) ، (ح3622) ، (3623) ، والبيهقي (4/290).

10-
وعن عائشة رضي اللَّه عنها: " أن قريشاً كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية، ثم أمر رسول اللَّه  بصيامه، حتى فرض رمضان، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : من شاء فليصمه، ومن شاء فليفطره" .
وفي رواية للبخاري: " كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، وكان يوماً تستر فيه الكعبة.." .
أخرجه البخاري (4/102) (ح1893) ، و(4/244) (ح2002) ، و(3/454) (ح1592)، ومسلم (1125) ، وأبو داود (2/326) (ح2442)، والترمذي (2/118)، (ح753) ، والدارمي (1/449) (ح1712) ، ومالك في "الموطأ" (1/229) ، وأحمد (6/162، 244) ، وابن حبان (8/385) (ح3621) ، والبيهقي (4/288) ، والبغوي في "شرح السنة" (1702).

11-
وعن حميد بن عبدالرحمن أنه سمع معاوية رضي اللَّه عنه يقول: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: " هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب اللَّه عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر" .
أخرجه البخاري (4/244) (ح2003) ، ومسلم (1129) ، والنسائي (4/204) ، ومالك في "الموطأ" (1/299) ، وابن خزيمة (2085) ، وابن حبان (8/390) ، (ح3626) ، والطبراني (19/326) (ح744) ، والبيهقي (4/290)، والبغوي في "شرح السنة" (1785).

12-
وعن علقمة بن قيس النخعي، أن الأشعث بن قيس دخل على عبدالله بن مسعود، وهو يطعم يوم عاشوراء، فقال: يا أبا عبدالرحمن ، إن اليوم يوم عاشوراء، فقال: "قد كان يُصام قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان ترك، فإن كنت مفطراً فاطعم" .
وفي رواية لمسلم: " كان يوماً يصومه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان تركه" .
أخرجه البخاري (8/178) (ح5403) ومسلم (1127).

13-
وعن جابر بن سمرة رضي اللَّه عنه قال: "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام يوم عاشوراء، ويحثنا عليه، ويتعاهدنا عنده، فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا، ولم يتعاهدنا عنده" .
أخرجه مسلم (1128) ، والطيالسي (1/106) (ح784) ، وأحمد (5/96، 105) ، وابن خزيمة (208) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/74)، والطبراني (1869) ، والبيهقي (4/265).

14-
وعن قيس بن سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه قال: " أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نصوم عاشوراء قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان، لم يأمرنا ولم ينهنا، ونحن نفعله" .
أخرجه النسائي في "الكبرى" (2/158) (ح2841) ، وأحمد (3/421) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار (2/74).
وإسناده صحيح.

- تعليق:
قال ابن رجب رحمه اللَّه في "اللطائف" ص106: "فهذه الأحاديث كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجدد أمر الناس بصيامه بعد فرض صيام شهر رمضان، بل تركهم على ما كانوا عليه من غير نهي عن صيامه، فإن كان أمره صلى الله عليه وسلم بصيامه قبل فرض صيام شهر رمضان للوجوب، فإنه ينبني على أن الوجوب إذا نسخ فهل يبقى الاستحباب أم لا؟ وفيه اختلاف مشهور بين العلماء، وإن كان أمره للاستحباب المؤكد فقد قيل: إنه زال التأكيد وبقي أصل الاستحباب، ولهذا قال قيس بن سعد: ونحن نفعله" .
وقال ابن حجر في الفتح (4/247): "ويؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجباً لثبوت الأمر بصومه، ثم تأكد الأمر بذلك، ثم زيادة التأكيد بالنداء العام، ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك، ثم زيادته بأمر الأمهات أن لا يرضعن فيه الأطفال، وبقول ابن مسعود الثابت في مسلم: " لما فرض رمضان ترك عاشوراء"، مع العلم بأنه ما ترك استحبابه، بل هو باق، فدل على أن المتروك وجوبه" اهـ.

- استحباب صوم يوم آخر معه مخالفة لأهل الكتاب:
15 - وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع" .
وفي رواية قال: " حين صام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول اللَّه إنه يوم تعظّمه اليهود والنصارى؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : فإذا كان العام القابل - إن شاء اللَّه - صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " .
أخرجه مسلم (1134) ، وأبو داود (2/327) (ح2445)، وأحمد (1/236)، وابن أبي شيبة (2/314)، (ح9381)، والطحاوي (2/78)، والطبراني (11/16)، (ح10891)، والبيهقي (4/287).

16-
وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أيضاً ، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يوماً، أو بعده يوماً" .
أخرجه أحمد (1/241)، وابن خزيمة (2095)، والبيهقي (4/287) ، وابن عدي في "الكامل" (3/956)، من طريق هشيم بن بشير.
وأخرجه البزار (1052 - كشف الأستار) من طريق عيسى بن المختار، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/78) ، من طريق عمران بن أبي ليلى ، والحميدي (1/227)(ح485) ، وعنه البيهقي (4/287) من طريق سفيان بن عيينة.
أربعتهم عن محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن داود بن علي ، عن أبيه علي بن عبدالله بن عباس، عن جده رضي اللَّه عنه.
ولفظ عيسى بن المختار: " صوموا قبله يوماً وبعده يوماً " .
ولفظ سفيان بن عيينة: " لئن بقيت لآمرن بصيام يوم قبله أو يوم بعده - يعني يوم عاشوراء -" .
وأخرجه ابن عدي (3/956) من طريق ابن حي، عن داود بن علي به، بلفظ: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن يوماً قبله، ويوماً بعده - يعني يوم عاشوراء".
قال البزار : " قد روي عن ابن عباس من غير هذا الوجه، ولا نعلم روى صوموا قبله يوماً وبعده، إلا داود بن علي، عن أبيه، عن ابن عباس تفرد بها عن النبي صلى الله عليه وسلم " اهـ.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/188) : " رواه أحمد والبزار، وفيه محمد بن أبي ليلى، وفيه كلام" .
وقد ذكر ابن حجر الحديث في "التلخيص" (2/213) وسكت عنه.
قلت: الحديث إسناده ضعيف، لحال محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، فهو سيء الحفظ جداً، وقد ضعفه أحمد ويحيى بن معين وغيرهما.
انظر: تهذيب الكمال (25/622) ، وميزان الاعتدال (3/ ترجمة 7825).
وفيه : داود بن علي بن عبد اللَّه بن عباس، قال الذهبي: "ليس حديثه بحجة". المغني (1/219).
والحديث أورده ابن عدي في "الكامل" (3/956) ، في ترجمة داود بن علي بن عبدالله بن عباس مستنكراً له.
* وقد روي عن ابن عباس موقوفاً عليه:
فأخرجه عبد الرزاق (7839) ومن طريقه: البيهقي (4/287) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار " (2/78) ، من طريق ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما بلفظ: "صوموا التاسع والعاشر، خالفوا اليهود" وإسناده صحيح، وقد صححه ابن رجب في "اللطائف" ص(108).

* وقد ذهب بعض الأئمة إلى العمل بهذا الحديث، واستحبوا صيام التاسع والعاشر، لا سيما وأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر ونوى صيام التاسع.
قال في "المغني" (4/441) : "إذا ثبت هذا فإنه يستحب صوم التاسع والعاشر لذلك - يعني عدم التشبه باليهود - نص عليه أحمد، وهو قول إسحاق"اهـ.
وقال أحمد في رواية الأثرم: " أنا أذهب في عاشوراء : أن يصام يوم التاسع والعاشر، لحديث ابن عباس" .

وبناء عليه فقد ذكر ابن القيم في "الزاد " (2/76) ، وابن حجر في "الفتح" (4/246) أن صيام عاشوراء على ثلاث مراتب:
أكملها: أن يصام قبله يومٌ وبعده يوم.
ويليها: أن يصام التاسع والعاشر.
ويليها: إفراد العاشر وحده بالصوم.
قلت: أما الأولى وهي أن يصام قبله يوم وبعده يوم؛ فلم يثبت بها حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما صح ذلك عن ابن عباس موقوفاً عليه.

لكن له أن يفعل ذلك لأحد أمرين:
إما أن يشك في دخول الشهر، فيصوم ثلاثة أيام احتياطاً، فقد روي عن الإمام أحمد أن قال: "فإن اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام ، وإنما يفعل ذلك ليتيقن صوم التاسع والعاشر" . المغني (4/441).
وقد ذكر رجب في "اللطائف " ص109، أن ممن روى عنه فعل ذلك أبو إسحاق وابن سيرين، وأنهما إنما يفعلان ذلك عند الاختلاف في هلال الشهر احتياطاً.
الحال الثانية: أن ينوي بصيامها مع صيام يوم عاشوراء، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، لما ثبت في "الصحيحين" عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله" .
وقد نص الشافعي رحمه اللَّه في " الأم" على استحباب صيام ثلاثة أيام التاسع والعاشر والحادي عشر.

* وأما صيام التاسع مع العاشر، فهو الذي وردت به السنة كما تقدم ، قال ابن حجر رحمه اللَّه في "الفتح" (4/245) -في تعليقه على حديث : "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع"- : "ما هم به من صوم التاسع يحتمل معناه ألا يقتصر عليه، بل يضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطاً له، وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح، وبه يشعر بعض روايات مسلم" .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - كما في "الفتاوى الكبرى" (2/259) : "نهى صلى الله عليه وسلم عن التشبه بأهل الكتاب في أحاديث كثيرة، مثل قوله في عاشوراء: "لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع" .

* وأما إفراد العاشر وحده بالصوم، فقد صرح الحنفية بكراهته. الموسوعة الفقهية (28/90).
قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه : " ومقتضى كلام أحمد : أنه يكره الاقتصار على العاشر؛ لأنه سئل عنه فأفتى بصوم اليومين وأمر بذلك، وجعل هذا هو السنة لمن أراد صوم عاشوراء، واتبع في ذلك حديث ابن عباس، وابن عباس كان يكره إفراد العاشر على ما هو مشهور عنه" . اقتضاء الصراط المستقيم (1/420).
وقال في موضع آخر: " صيام يوم عاشوراء كفارة سنة، ولا يكره إفراده بالصوم" . الفتاوى الكبرى (4/461).

*
أي يوم عاشوراء؟
قال النووي رحمه اللَّه : " عاشوراء وتاسوعاء اسمان ممدودان ، هذا هو المشهور في كتب اللغة، قال أصحابنا هو اليوم العاشر من المحرم، وتاسوعاء هو التاسع منه، وبه قال جمهور العلماء... وهو ظاهر الأحاديث، ومقتضى إطلاق اللفظ، وهو المعروف عند أهل اللغة" اهـ. المجموع (6/383).
وقال ابن المنير: " الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر اللَّه المحرم، وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية" الفتح (4/245).
قلت: لكن ورد عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما ما يخالف ذلك:

17- عن الحكم بن الأعرج قال: انتهيت إلى ابن عباس رضي اللَّه عنهما، وهو متوسِّد رداءه عند زمزم، فقلت له: أخبرني عن صوم عاشوراء، فقال: "إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، وأصبح يوم التاسع صائماً، قلت: هكذا كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصومه؟ قال: نعم" .
أخرجه مسلم (1133)، وأبو دواد (2/327) (ح2446) ، والترمذي (2/119) (ح754) ، وأحمد (1/239، 280) ، وابن خزيمة (2098) ، والطحاوي (2/75) ، وابن حبان (8/395) (ح3633) ، والبيهقي (4/287).
فهذا الحديث يدل على أن عاشوراء هو اليوم التاسع من المحرم.
لكن أجاب ابن القيم رحمه اللَّه في "الزاد" (2/75) عن ذلك بقوله: "من تأمل مجموع روايات ابن عباس، تبين له زوال الإشكال، وسعة علم ابن عباس، فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليوم التاسع، بل قال للسائل: صم اليوم التاسع، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر الذي يعده الناس كلهم يوم عاشوراء، فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه، وأخبر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يصومه كذلك، فإما أن يكون فِعل ذلك هو الأولى، وإما أن يكون حمل فعله على الأمر به، وعزق عليه في المستقبل، ويدل على ذلك أنه هو الذي روى: "صوموا يوماً قبله ويوماً بعده" ، وهو الذي روى: أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بصيام يوم عاشوراء يوم العاشر. وكل هذه الآثار عنه يصدّق بعضها بعضاً، ويؤيد بعضها بعضاً" اهـ.
قلت: تقدم أن حديث " صوموا يوماً قبله ويوماً بعده" لا يصح مرفوعاً .
وقال في "تهذيب السنن" (3/324) - عن قوله " هكذا كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصومه " -: " وصدق رضي اللَّه عنه ، هكذا كان يصومه لو بقي .." .

خاتمة :

اعلم أنه لم يصح في فضل التوسعة على العيال في هذا اليوم حديث ، وقد أنكر شيخ الإسلام وغيره ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من وسَّع على أهله في يوم عاشوراء وسع اللَّه عليه سائر سنته" .
كما أن ما يفعله بعض الطوائف المنحرفة من إظهار الحزن فيه والمآتم بدعة وضلالة . والله الموفق .

الجمعة، 2 ديسمبر 2011

الهجرة النبوية

الهجرة النبوية

الحمدُ لله وكفى، وسلامٌ على عبادِهِ الذينَ اصطفى، الحمدُ لله الواحدِ الأحد الفرْدِ الصمد الذي لم يلدْ ولم يولدْ ولم يتخذْ صاحبةً ولا ولدًا.

أحمدُهُ وأستعينهُ وأستهديهِ وأشكرهُ له المنَّةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثناءُ الحَسَنُ، لكَ الحمدُ ربَّنا على ما أنعمْتَ علينا، الحمدُ للَّه الذي هدانا لهذا وما كُنَّا لنهتديَ لولا أنْ هدانا الله.

والصلاةُ والسلامُ على سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرَّةِ أعيننا محمَّد، بعثَهُ الله رحمةً للعالمين مبشِّرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنهِ وسراجًا وهَّاجًا وقمرًا منيرًا، فهدَى الله بهِ الأمَّةَ وكشَفَ بهِ عنها الغُمَّة فجزاهُ الله عنا خيرَ ما جزى نبيًّا من أنبيائهِ.

وأشهدُ أنْ لا إلـه إلا الله الملكُ الحقُّ المبين، وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا رسولُ الله الصادقُ الوعدِ الأمين، صلواتُ ربي وسلامهُ عليهِ وعلى ءالهِ وصحبهِ الطيبين الطاهرين.

أما بعدُ أيها الأحبةُ المسلمون:

فإني أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العظيم، والسيرِ على خُطى رسولِهِ الكريم، يقولُ الله تَبَارَكَ وتعالى في القرءانِ الكريم:} إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا{[سورة التوبة].

إخوةَ الإيمان:

لَمَّا بُعِثَ رسولُ الله أي نزَلَ عليهِ الوحيُ أُمِرَ بالتبليغِ والإنذارِ بلا قتالٍ، وكانَ يدعو إلى الله جهرًا ويمرُّ بينَ العربِ المشركينَ حينَ كانوا يجتمعونَ في الموسمِ من نَوَاحٍ شتَّى ويقولُ: "أيُّها الناسُ قولوا لا إلـهَ إلا الله تُفلِحوا". ودعا النبيُّ إلى العدْلِ والإحسانِ ومكارمِ الأخلاقِ ونهى عنِ المنكر والبغي فآمَنَ بهِ بعضُ الناسِ كأبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍ وبلالٍ وغيرِهم، وبقيَ على الكفرِ أكثرُ الناسِ، وصاروا يُؤذونَهُ وأصحابَهُ، فلمَّا اشتدَّ عليهمُ الأذى هاجرَ بعضُ أصحابِ النبيّ إلى الحبشةِ وكانوا نحوَ الثمانينَ، منهُم عثمانُ بنُ عفَّانَ وجعفرُ بنُ أبي طالبٍ، وكانَ رسولُ الله لقِيَ في الموسمِ نَفَرًا من أهلِ يثربَ من الخزرجِ فدعاهم إلى الإسلامِ فأسلموا، ثمَّ ازدادَ عددُهم في العامِ التالي فلمَّا انصرَفوا بعثَ معَهُم رسولُ الله ابنَ أمّ مكتومٍ ومُصعبَ بنَ عُمَيرٍ يُعلّمانِ الناسَ منْ أسلَمَ منهم القرءانَ، ويدعوانِ من لم يُسْلِمْ إلى الإسلامِ.

فلمَّا كثُرَ أنصارُ رسولِ الله بيثربَ أمر الله المسلمينَ بالهجرةِ إليها فخرجوا أَرْسالا، ثمَّ هاجرَ النبيُّ من مكةَ مَحَلِ ولادتهِ التي كانتْ أحَبَّ بلادِ الله إليهِ يتحمَّلُ المشاقَّ في سفرِهِ مَعَ أبي بكرٍ بعدَ أنْ أقامَ في مكةَ منذُ البِعثةِ ثلاثَ عَشْرةَ سنةً يدعو إلى التوحيدِ ونبذِ الشِرْكِ.

إخوةَ الإسلام:

لم تكن هجرةُ الرسولِ هرَبًا من المشركينَ ولا يأسًا من واقعِ الحالِ، ولم تكُنْ هجرتُهُ حُبًّا في الشُّهرةِ والجاهِ والسُّلطانِ، فقد ذهبَ إليهِ أشرافُ مكةَ وسادَاتُها وقالوا له: "إنْ كنتَ تريدُ بما جئتَ بهِ مالا جمعنا لكَ من أموالنا حتى تكونَ أكثرَنا مالا، وإنْ كنتَ تريدُ مُلكًا مَلَّكْناكَ إيَّاهُ".

ولكنَّ النبيَّ العظيمَ أسمى وأشرفُ من أنْ يكونَ مقصودَهُ الدنيا والجاهُ والسلطانُ.

ولم تكُنْ هجرتُهُ التماسًا للهدوءِ وطلَبًا للراحةِ، فهو يعلَمُ يقينًا أنها دعوةُ حقٍّ ورسالةُ هدى لا بُدَّ أنْ يُؤَديهَا كما أمرهُ الله؛ وهو لهذا يقولُ لعمِّهِ أبي طالبٍ حينَ أتاهُ يطلبُ منهُ الكفَّ عن التعرُّضِ لقومِهِ وما يعبُدونَ:

"والله يا عمُّ لو وضعوا الشمسَ في يميني والقمرَ في يساري على أنْ أتركَ هذا الأمرَ ما تركتُهُ حتى يُظهرَهُ الله سبحانَهُ وتعالى أو أَهلِكَ دونَهُ".

يا أحبابَ الحبيبِ:

لقد كانَ لهجرةِ الفاروقِ الذي فرَّقَ بينَ الحقِّ والباطلِ قِصَّةٌ شأنُها شأنُ كلّ قِصصهِ وأخبارهِ العَظيمةِ التي تدلُّ على حبّهِ لدينِ الله، واستبسالِهِ في سبيلِ الله، واستعدادهِ للموتِ في سبيلِ نُصْرةِ الحقّ. ذلكَ أنَّهُ عندما جاءَ دورُ سيدِنا عمَرَ بنِ الخطابِ قبلَ هجرةِ الرسولِ بسبعةِ أيامٍ، خرجَ مُهاجرًا وخَرجَ معهُ أربعونَ من المستضعفينَ جَمَعَهُم عمَرُ في وضْحِ النهارِ وامتشَقَ سيفَهُ وجاءَ دارَ الندوةِ وهو مكانٌ تجتمعُ فيهِ قريشٌ عادةً، فقالَ الفاروقُ عمَرُ لصناديدِ قُريشٍ بصوتٍ جَهيرٍ: "يا معشَرَ قُريشٍ، من أرادَ منكم أنْ تُفْصَلَ رأسُهُ أو تثكَلَهُ أمُّهُ أو تترمَّلَ امرأتُهُ أو يُيتَّمَ ولدُهُ أو تذهبَ نفسهُ فليتبعني وراءَ هذا الوادي فإنِّي مهاجرٌ إلى يثرِبَ" فما تجرَّأَ أحدٌ منهم أنْ يحولَ دونَهُ ودونَ الهجرةِ لأنهم يعلمونَ أنَّهُ ذو بأسٍ وقوَّةٍ، وأنَّهُ إذا قالَ فعَلَ.

وكانَ مشركو قريشٍ قد أجمَعوا أمرَهم على قتْلِ رسولِ الله، فجمعوا من كلّ قبيلةٍ رجلا جَلْدًا نَسيبًا وَسِيطًا ليضربوهُ ضربةَ رجلٍ واحدٍ حتى يتفرَّقَ دمُهُ في القبائلِ.

فأتى جِبريلُ رسولَ الله فأمرَهُ أنْ لا يبيتَ في مضْجَعهِ الذي كانَ يبيتُ فيهِ، وأخبرَهُ بمكرِ القومِ، فدعا الرسولُ عليَّ بنَ أبي طالبٍ أنْ يَبيتَ على فراشِهِ و يتسجَّى بِبُرْدٍ لهُ أخضرَ، ففعَلَ ثم خرجَ رسولُ الله على القومِ وهم على بابِهِ ومَعَهُ حَفْنَةُ تُرابٍ، فجعَلَ يَذُرُّها على رؤوسِهِم، وأخَذَ الله عزَّ وجلَّ بأبصارِهم عن نبيّهِ، فلمَّا أصبحوا فإذا هم بِعَليّ بنِ أبي طالبٍ، فسألوهُ عنِ النبيّ فأخبرَهُم أنَّهُ خرجَ فركبوا في كلّ وجْهٍ يطلبونَهُ، وكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد سارَ مَع أبي بكرٍ حتى وصَلاَ إلى غارِ ثوْرٍ فدَخَلاهُ، وجاءتِ العنكبوتُ ونسَجَتْ على بابِهِ، وجاءت حمامةٌ فباضَتْ ورقَدَتْ، فلمَّا وصلتْ رجالُ قريشٍ إلى الغارِ قالَ أبو بكرٍ: يا رسولَ الله لو أنَّ أحدَهم ينظرُ إلى قدَميهِ لأبصَرَنا تحتَ قَدميهِ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَا أبا بكرٍ ما ظَنُّكَ باثنينِ الله ثالثُهما" وليسَ معنى ذلكَ أنَّ الله يسكنُ مَعَهُما في الغارِ، وإنَّما معناهُ أنَّ الله عالمٌ بهما وهو حافظٌ لهما، أي أنَّ عنايةَ الله مَعَهُما، فمن اعتقدَ أنَّ الله يسكنُ في مكانٍ فهذا قد جعلَ الله كالمخلوقِ، والذي يجعلُ الله كالمخلوقِ فقد كذَّبَ القرءانَ، ومن كذَّب القرءانَ لا يكونُ من المسلمين.

ولمَّا وصلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينةِ المنوَّرةِ استقبَلَهُ المؤمنونَ بالفرَح، استبشَرَ الناسُ بقدومِ رسولِ الله، وسمَّى الرسولُ يثربَ المدينةَ المنوَّرةَ، وءاخى بينَ أهلِها أي الأنصارِ والمهاجرينَ، وبنى مسجدَهُ، وصارَ المسلمونَ عَلَى قَلْبِ رجلٍ واحدٍ لا يُفرِّقُ بينَهُم طمَعُ الدنيا ولا يُباعِدُ بينَهُم حَسَدٌ ولا ضَغينةٌ، مَثَلُهم كمَثَلِ البُنيانِ المرصوصِ يشدُّ بعضهُ بعضًا، ومثلُهم في توادِهم وتراحُمِهم كمَثَلِ الجسَدِ الواحدِ إذا اشتكى منهُ عضوٌ تداعى لهُ سائرُ الجسدِ بالسّهَرِ والحُمَّى.

إخواني :

لقد كانتِ الهجرةُ إيذانًا بأنَّ صوْلةَ الباطلِ مهما عظُمَتْ وقُوَّتَهُ مهما بلغَتْ فمصيرُها إلى الزاولِ ونِهايتُها إلى الفشَلِ والبَوارِ، وإيذانًا بأنَّ الحقَّ لا بدَّ لهُ من يومٍ تُحَطَّمُ فيهِ الأغلالُ وتعلو فيهِ رايتُهُ وتَرتفِعُ كلمتُهُ، وكيفَ لا والله سبحانَهُ وتعالى قد وعدَ المؤمنينَ بالنَّصرِ المبينِ وجعلَ لهم من الشدةِ فرَجًا ومن العُسرِ يُسْرًا ومن الضيقِ سَعَةً؛ قالَ تعالى: }إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ{ [سورة غافر].

إنَّ الدروسَ المستفادةَ من الهجرةِ كثيرةٌ، ومن جُمْلَتِها ضرورةُ الصَّبرِ على الشدائِدِ والبلايا وكافةِ أنواعِ الظلمِ والاستبدادِ، والصمودُ في وجهِ الباطلِ، والثباتُ في ميدانِ الكفاحِ، والوقوفُ إلى جانبِ الحقّ في شجاعةٍ وحزْمٍ وصرامةٍ، وإنَّ بهجتنا بهذهِ الذكرى تمتزج بعزمنا على الاقتداء بصاحب الذكرى، والتمسك بهديه وعقيدته، والالتزام بشريعته، معلمين ومتعلمين، فهو القائل صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو ءاية".

فنسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الموفقين للثبات حتى الممات على مَحَجَّةِ الإسلام البيضاء.
هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الهجرة النبوية المباركة

إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه ونسترشده ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد ولا ند له وأشهد أنَّ سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه من بعثه الله رحمة للعالمين هاديًا ومبشرًا ونذيرا بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًا من أنبيائه، الصلاة والسلام عليك سيدي يا علم الهدى الصلاة والسلام عليك سيدي يا رسول الله سيدي يا حبيب الله ضاقت حيلتنا وأنت وسيلتنا أدركنا يا محمد أدركنا يا أبا القاسم يا رسول الله أدركنا بإذن الله .

أما بعـد فيا عباد الله أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العلي العظيم واستفتح بالذي هو خير، يقول الله تعالى في كتابه العظيم : ﴿إِلا تنصُروهُ فقدْ نصرَهُ اللهُ إِذْ أَخرجَهُ الذينَ كَفَروا ثانيَ اثنينِ إِذْ هُمَا في الغَارِ إِذْ يقولُ لصاحبِهِ لا تحزَنْ إِنَّ اللهَ معَنا فأنزلَ اللهُ سكينتَهُ عليهِ وأيَّدَهُ بجنودٍ لمْ تَرَوْهَا وجَعَلَ كلمةَ الذينَ كفَروا السُّفلى وكلمةَ اللهِ هيَ العُليَا واللهُ عزيزٌ حكيمٌ﴾ سورة التوبة/40

الهجرة النبوية أيها الإخوة لم تكن هروبًا من قتال ولا جبنًا عن مواجهة ولا تخاذلاً عن إحقاق حق أو إبطال باطل ولكن هجرة بأمر الله تعالى أعد فيها النبي القائد صلوات ربي وسلامه عليها العدة وهيأ الجند وعاد بهم إلى مكة فاتحًا، أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوذي أصحابه الكرام في مكة وصبر ءال ياسر في سبيل الله، ورسول الله هاجر بالدعوة إلى الله فلم يكن يخفي شيئًا منها بل كان يدور في المواسم التي يجتمع فيها الناس ويقول لهم:" أيهـا النـاس قولـوا لا إلـه إلا الله تفلحوا " وصبر صلى الله عليه وسلم على إيذاء المشركين من أهل مكة، وانصب العذاب على المستضعفين صبًا جلد وضرب وحبس وتحريق وقتل، ولكن أدركهم المدد الرباني والتثبيت الإلـهي فكأنهم صخرة لا تخدش وصارت نبضات قلوبهم الخاشعة وهمسات أدعيتهم الضارعة تهز الأفئدة والعروش، أليس ردد بلال الحبشي أحد أحد، أحد أحد؟لم يتراجع ولم ينفتن.

فكم نحن بحاجة اليوم إلى أن نتطلع إلى مواقف هؤلاء الرجال الرجال، وهذا عمر رضي الله عنه يقف في وضح النهار ممتشقًا سيفه قائلاً لصناديد قريش بصوت جهير:" يا معشر قريش من أراد منكم أن تفصل رأسه أو تثكله أمه أو تترمل امرأته أو ييتم ولده أو تذهب نفسه فليتبعني وراء هذا الوادي فإني مهاجر إلى يثرب " فما تجرأ أحد منهم أن يحول دونه ودون الهجرة، وانظروا إلى موقف القائد العظيم محمد بعدما جاءوا إلى عمه أبي طالب يقولون له يا أبا طالب ماذا يريد ابن أخيك إن كان يريد جاها أعطيناه فلن نمض أمرا إلا بعد مشورته، وإن كان يريد مالاً جمعنا له حتى يصير أغنانا وإن كان يريد الملك توجناه علينا ولكن النبي صلى الله عليه وسلم الذي يوحى إليه أجاب عمه بقوله :" لو وضعوا الشمس بيميني والقمر بشمالي ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه " ليس في الأنبياء من يترك الدعوة إلى الله، ليس في الأنبياء من يتخلى عن الدعوة إلى الله مهما اشتد عليه البلاء ليس في أنبياء الله من يعرض عن دين الله لشدة الإيذاء، أجمع المشركون على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعوا من كل قبيلة رجلا جلدا ليضربوه ضربة رجل واحد حتى يتفرق دمه بين القبائل، فأتى جبريل عليه السلام وأخبره بكيد المشركين وأمره بأن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه.

فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره أن يبيت على فراشه ويتسجى ببرد له أخضر ففعل، ثم خرج صلى الله عليه وسلم وهم على بابه ومعه حفنة تراب فجعل يذرها على رؤوسهم وهو يقرأ : ﴿يـس والقرءانِ الحكيمِ إنّكَ لمنَ المرسلينَ على صِراطٍ مستقيمٍ تنـزيلَ العزيزِ الرحيمِ لِتُنْذِرَ قومًا ما أُنذِرَ ءاباؤهُمْ فهُمْ غافلونَ لقدْ حَقَّ القولُ على أكثرِهِمْ فهُمْ لا يؤمنونَ إنَّا جعَلْنَا في أعناقهم أَغْلالاً فهيَ إِلى الأَذْقانِ فهُمْ مُقمَحونَ وجعَلْنَا مِنْ بينِ أَيدِيهِمْ سَدًّا ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فأَغْشَيْناهُمْ فهُمْ لا يُبْصِرونَ﴾ سورة يـس 1ـ9وفي الطريق حصلت لرسول الله معجزات ببركة الهجرة حيث إن امرأة ممن سبقت رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ولدها معها في الطريق إلى المدينة أصابه مرض فمات فتملكها الجزع فقالت اللهم إنك تعلم أني ما هاجرت إلا ابتغاء مرضاتك ومحبة في نبيك فلا تشمت بي الأعداء فقام ولدها في الحال أحياه الله تعالى، قالت فطعم وطعمنا ثم بقي حيا إلى خلافة سيدنا عمر رضي الله عنه، وقصة الطفيل بن عمرو الدوسي الذي كان معه صاحبه مرض على الطريق فلم يصبر على المرض فأخذ حديدة فقطع بها براجمه فنـزف الدم منه فمات، فرءاه صاحبه في المنام مغطيا يديه قيل له مالي أراك مغطيًا يديك،قال: " قيل لي لن نصلح لك ما أفسدت قد غفر الله لي بهجرتي إلى نبيه " فلما وصل إلى رسول الله أخبره ما رأى وما حصل لصاحبه فقال صلى الله عليه وسلم :" اللهم وليديه فاغفر " أيها الإخوة يقول الله تعالى في القرءان الكريم ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا﴾ الآيةَ، سورة التوبة/40، فهذا الصاحب هو الصدّيق رضي الله عنه وليس معناه أن الله موجود معهما في الغار، بل المعية هنا معية النصرة أي الله تعالى هو الذي ينصرنا ويحمينا، حمى الله تعالى حبيبه محمدا بأوهن البيوت وأوهن البيوت بيت العنكبوت وأرسل حمامة باضت على فم الغار فأعمى الله تعالى أبصار المشركين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أما المؤمنون فينتظرون في المدينة المنورة حبًّا وشوقًا وصولَ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويتوافدون إلى مشارف المدينة من ناحية طريق مكة وبعضهم يتسلق الأشجار وينظر إلى بعد عله يرى أثرًا لقدم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وذات يوم والناس في انتظار بلهف وشوق وقد انتصف النهار واشتد الحر توافدوا جماعة بعد جماعة وإذا برجل ينادي بأعلى صوته ها قد جاء من تنتظرون يا أهل المدينة وتكر الجموع عائدة لاستقبال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم والحب يسبقها ولسان حالها يقول :

طلع البـدر علينـا *** من ثنيـّات الوداع

اللهم أعد علينا هذه الذكرى العظيمة المباركة بالأمن والأمان يا رب العالمين.

هذا وأستغفر الله .

الهجرة المباركة

إنَّ في حياةِ رسول الله أحداثاً حوّلت مجرَى التاريخ وأحدَثت أعظمَ نقلة وأعقبت أقوَى الآثار، تبوَّأت منها الهجرة النبوية المبارَكَة مكاناً عليًّا ومقاماً كريماً، حيث كانت بحقٍّ فتحاً مبيناً ونصراً عزيزاً ورِفعة وتمكيناً وظهوراً لهذَا الدّين، وهزيمةً وصَغاراً للكافرين.

وفي وقائِع هذه الهجرة مِن الدّروس والعبَر وفي أحداثِها من الفوائد والمعاني ما لا يكاد يحِيط به الحصر ولا يستوعِبه البيان، فنها أنَّ العقيدةَ أغلى من الأرض، وأنَّ التوحيدَ أسمى من الديار، وأنَّ الإيمان أثمنُ من الأوطان، وأنَّ الإسلامَ خير من القناطير المقنطَرة من الذّهب والفضّة والخيلِ المسوّمة والأنعام والحرث ومن كلِّ متاعِ الحياة الدنيا، يتجلّى هذا المعنَى بيّنًا في خروجِ هذا النبيّ الكريم صلوات الله وسلامه عليه مع صاحبِه الصدّيق رضي الله عنه مهاجرَيْن من هذا الحِمى المبارَك والحرمِ الآمِن والأرضِ الطيّبة التي صوّر واقعَها الحديثُ الذي أخرجَه أحمد في مسندِه والترمذيّ وابن ماجه في سننهما بإسناد صحيح عن عبد الله بن عديّ بن حمراء الزّهريّ أنّه قال: رأيتُ رسول الله واقفًا على الحَزْوَرَة[1]قال: ((والله، إنَّك لخيرُ أرضِ الله وأحبُّ أرضِ الله إلى الله، ولولا أنِّي أُخرجتُ منكِ ما خرجت))

وفي الهجرة كمَال اليقينِ بمعيّة الله تعالى لعبادِه المؤمنين الصَّادقين، ذلك اليقين الرَّاسخ الذي لا تزعزِعُه عواصِف الباطل، يستبينُ ذلك جليًّا في حالِ هذَين المهاجرَين الكريمَين حين عظُم الخَطب وأحدَق الخطرُ ببلوغ المشركين بابَ الغارِ الذِي كانَا فيه، وحينَ قال أبو بكر رضي الله عنه: والله يا رسول الله، لو أنَّ أحدَهم نظر إلى موضعِ قدمَيه لرآنا، فقال رسول الله قولتَه التي أخذَت بمجامعِ القلوبِ. ((يَا أبَا بَكر، مَا ظنُّكَ باثنَين اللهُ ثالثُهما)) ، وأنزَلَ سبحانه مصداقَ ذلك في كتابه، أنزل قولَه : إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِىَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:40].

وأيُّ معيّةٍ هذه المعيةَ؟ إنّها المعيّةَ الخاصّة التي تكون بالتّأييد والتّوفيق والحِفظ والمعونةِ والنّصر إنّما جعلها الله تعالى لأوليائِه المتّقين المحسِنين الذين بذلوا حقَّ الله عليهم في توحِيده وإفرادِه بالعبادةِ وتركِ الإشراكِ به، ثمَّ بامتثال أوامرِه والانتهاء عمَّا نهاهم عنه.والمعية تاءتى بمعنى العلم كقوله تعالى(( وهو معكم أينما كنتم)) أي عالم بكم حيث كتتم الله تعالى لا يخفى عليه شيء عالم بالأماكن كلها وهو موجود بلا مكان , حتى إذا سكن الطلب عنهما قليلا خرجا من الغار بعد ثلاث ليال متجهين إلى المدينة على طريق الساحل فلحقهما سراقة بن مالك المدلجي على فرس له فالتفت أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا فقال النبي : ((لا تحزن إن الله معنا)) فدنا سراقة منهما حتى إذا سمع قراءة رسول الله غاصت يدا فرسه في الأرض حتى مس بطنها الأرض وكانت أرضا صلبة فنزل سراقة وزجرها فنهضت فلما أخرجت يديها صار لأثرهما عثان ساطع في السماء مثل الدخان قال سراقة: فوقع في نفسي أن سيظهر أمر رسول الله فناديتهم بالأمان فوقف رسول الله ومن معه فركبت فرسي حتى جئتهم وأخبرتهم بما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع وقال للنبي : إنك تمر على إبلي وغنمي بمكان كذا فخذ منها حاجتك. فقال: ((لا حاجة لي في ذلك)) وقال: ((أخف عنا)). فرجع سراقة وجعل لا يلقى أحدا من الطلب إلا رده وقال: كفيتم هذه الجهة فسبحان الله رجل ينطلق على فرسه طالبا للنبي وصاحبه ليظفر بهما فيفخر بتسليمهما إلى أعدائهما من الكفار فلم ينقلب حتى عاد ناصرا معينا مدافعا يعرض عليهما الزاد والمتاع وما يريدان من إبله وغنمه ويرد عن جهتهما كل من أقبل نحوها وهكذا كل من كان الله معه فلن يضره أحد وتكون العاقبة له. ويعود سراقة ويكمل الرسول مسيرته إلى طيبة ويصل هناك ليستقبله المسلمون بحفاوة وترحيب وفرح وحب، وليؤسس صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام ويعز الله دينه ويعلي كلمته ولو كره الكافرون ولو كره المشركون.

إنَّ هذه الهجرةِ المباركة وعبرِها هيَ جديرة بأن تبعثَ فينا اليومَ ما قد بعثَته بالأمسِ مِن روحِ العزَّة، وما هيَّأته من أسبابِ الرِّفعة وبواعثِ السموِّ وعواملِ التَّمكين. إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ

الهجرة الشريفة

الهجرة الشريفة


إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستغفِرُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ، من يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ومن يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى كلّ رسولٍ أرسلَه.

أما بعدُ عبادَ اللهِ أوصيكم ونفسيَ بتقوى اللهِ العليِّ العظيمِ. يقولُ اللهُ تعالى في كتابهِ العزيز {إلاّ تنصرُوه فقد نصرَهُ اللهُ إذْ أخرجَه الذين كفروا ثانِيَ اثنينِ إذْ هُما في الغارِ إذْ يقولُ لصاحِبِهِ لا تحْزَنْ إنَّ اللهَ معنَا}.

عبادَ اللهِ، لما بُعِثَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أُمِرَ بالتبليغِ والإنذارِ بلا قتالٍ فظَلَّ أربعةَ عشرَ عاماً يدعو الناسَ إلى الإسلامِ من غيرِ قتالٍ فآمنَ بهِ بعضُ الناسِ كأبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍ وبلالٍ وغيرِهم، وبقِيَ على الكُفرِ أكثرُ الناسِ وصاروا يؤذونَهُ وأصحابَهُ، فلمّا اشتَدَّ عليهِمُ الأذى هاجرَ بعضُ أصحابِ النَّبِيّ إلى الحبشةِ وكانوا نحوَ ثمانينَ منهم عثمانُ بنُ عفان وجعفرُ بنُ أبي طالب.

ولما كثُرَ أنصارُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ بيثربَ أمرَ اللهُ المسلمينَ بالهجرةِ إليها فخرجوا أرسالاً، ثم هاجَرَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من مكةَ محلّ ولادَتِه مع أبي بكرٍ الصدّيقِ بعد أن أقامَ في مكّةَ منذُ البِعثةِ ثلاثَ عشرةَ سنةً يدعو إلى التوحيدِ ونبذِ الشّرْكِ. ولم تكنْ هجرةُ النبيّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حُبّاً في الشُهرةِ والجاهِ والسلطانِ فقد ذهبَ إليهِ أشرافُ مكّةَ وقالوا له: إن كنتُ تريدُ بما جئتَ بهِ مالاً جمَعْنا لكَ من أموالِنا حتى تكونَ أكثرَنا مالاً، وإن كنتَ تريدُ مُلْكاً ملَّكناكَ إيّاه ولكنَّ النبيَّ العظيمَ أسمى وأشرفُ من أنْ يكونَ مقصودُه الدنيا. ولهذا كان يقولُ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلم لعمّهِ أبي طالب حين أتاهُ يطلبُ منه الكفَّ عن التعرُّضِ لِقَوْمِهِ وما يعبُدُون: "واللهِ يا عمّ لو وضَعُوا الشمسَ في يميني والقمرَ في يَساري على أن أَتْرُكَ هذا الأمرَ ما تركتُهُ حتى يُظهِرَه اللهُ سبحانه وتعالى أو أهْلِكَ دونه".

وبالنبيّ صلى الله عليه وسلم اقتدى الصحابةُ الأجلاّءُ فقد خرَجَ عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه من مكةَ مع أربعينَ من المستضعَفينَ في وضَحِ النَّهارِ ممتشِقاً سيفَهُ قائِلاً لصنادِيدِ قريشٍ بصوتٍ جهيرٍ: "يا معشرَ قريش من أرادَ منكم أن تُفصَل رأسُه أو تَثْكُلَهُ أمُّهُ أو تترمَّلَ امرأَتُهُ أو يُيَتَّمَ ولدُه أو تذهبَ نفسُهُ فَلْيَتْبَعْنِي وراءَ هذا الوادي فإِني مهاجِرٌ إلى يثرب".

فما تجرأَ أحدٌ منهم أن يحولَ دونَهُ ودونَ الهِجرةِ. ثم إنَّ المشركينَ كانوا قد أجمعوا أمرَهم على قتلِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فجَمَعوا من كلّ قبيلةٍ رجلاً جلداً نسيباً وسيطاً ليضرِبوهُ ضربةَ رجلٍ واحدٍ حتى يتفرَّقَ دمُهُ في القبائِلِ، فأتى جبريلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأمرَه أن لا يبيتَ في مضجَعِهِ الذي كانَ يبيتُ فيه وأخبَرَهُ بمَكْرِ القومِ وأنزل اللهُ تعالى {وإذْ يمكرُ بكَ الذين كفروا ليُثْبِتُوكَ أو يَقتلُوكَ أو يُخرجُوكَ ويمكرونَ ويمكرُ اللهُ واللهُ خيرُ الماكرين}.

فدعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بنَ أبي طالب فأمرَهُ أن يبيتَ على فِراشِه ويتسَجّى ببُرْدٍ له أخضرَ ففعل، ثمّ خرجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على القومِ وهم على بابِه ومعه حُفنةُ ترابٍ فجعل يذرُّها على رُؤوسِهم، وأخذَ اللهُ عز وجلّ بأبصارِهم عنْ نَبِيّه، وهو يقرأُ {يس والقرءانِ الحكيم} إلى قولِه {فأغشيناهم فهم لا يُبصرون} فلمّا أصبَحوا فإذا هم بعليّ بنِ أبي طالبٍ فسألوهُ عن النبيّ فأخبرَهُم أنّهُ خرجَ فركِبوا في كلّ وجهٍ يطلُبونَهُ وكانَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قد سارَ مع أبي بكرٍ رضيَ اللهُ عنه حتى وصلا إلى غارِ ثورٍ فدخلاهُ، وجاءتِ العنكبوتُ فنَسَجَتْ على بابِه، وجاءَتْ حَمامةٌ فباضَتْ ورَقَدَتْ، فلما وصلَ رجالُ قريشٍ إلى الغارِ قال أبو بكر: يا رسولَ اللهِ لو أن أحدَهم ينظُرُ إلى قدميهِ لأبصرَنا تحتَ قدميه. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر ما ظنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهما".

عبادَ اللهِ، لقد سلَّمَ اللهُ نبيَّهُ الكريمَ من شرّ المشركينَ فوصلَ إلى المدينةِ المُنَورةِ ومعه صاحبُه فاستقبَلَهُ المؤمنونَ بالفرحِ واستبشروا بقدومِه، وسمَّى الرسولُ يثربَ بالمدينَةِ المنورةِ وءاخى بينَ أهلِها والمهاجِرين، وسمّاهم الأنصارَ، وبنى مسجِدَه ومساكِنَه. وقد استقبلَ الأنصارُ إخوانَهُمُ المهاجرينَ ومدُّوا لهم يدَ المساعَدةِ والعونِ حتى كان الأنصاريُّ يقسِمُ مالَهُ ومتاعَهُ بينه وبين أخيهِ المهاجِر. فحَرِيٌّ بنا أن نقتديَ بهؤلاءِ الأفذاذِ من الناسِ الذين عرفوا معنى الأخوَّةِ الحقيقيَّ فأيَّدهم اللهُ بنصرِه.