قال صالح حسب الله المحامي والناشط الحقوقي, أن ثورة 1952 كان من بين
أهدافها الستة إقامة حياة ديمقراطية , وهذا الأمر لم يكتب له التنفيذ
لإنشغال مجلس قيادة الثورة بتطبيق المبادئ الأخرى مثل إقامة جيش وطنى قوي,
ولم يفلح فى هذا الأمر فكانت نكسة 1967 ، والقضاء على الإقطاع وتطبيق
العدالة الإجتماعيىة التى هى أيضا لم تطبق وكان ذلك على حساب مبدأ تحقيق
الديمقراطية, الذى ظل حبراً على ورق إلى ما بعد رحيل الرئيس "جمال
عبدالناصر".
وأشار حسب الله ، إلى أنه ليس هذا مقام تقيم ثورة يوليو, لكن يجب الإشارة
إلى أن ما حدث مع ثورة يوليو لم يكن مشهدا فريدا بل تعرضت له مسيرة شعوب
عديدة مثل "روسيا وأسبانيا" إذ شهدت ثورات وإنقلابات سواء أكانت يساري
ماركسى أو يمينى فاشي ، حتى ثورة 25 يناير سارت على نفس الدرب.
فكان الحكم بعد ثورة يوليو حكما شموليا ودكتاتوريا, كانت الاستهانة
بالقانون من أبرز معالم هذا النظام ويبدو ذلك فى محاولة الالتفاف حول دستور
1923، واصدار مراسيم بقانون مخالفة لنص ، و روح دستور 1923 والتى تم
بموجبها اصدار قرارات لها قوة القانون.
منحت مجلس قيادة الثورة سلطات مطلقة فى المجالات التشريعية والتنفيذية بل
والقضائية, وذلك بمساعدة ترزية القوانين بل و وقعت مذبحة القضاة عام 1969،
هذا على سبيل المثال لا الحصر, وكان واضحاً أن الرئيس "جمال عبدالناصر" رفض
الديمقراطية السياسية.
بل اعتبر أن الأحزاب السياسية هى مصدر للفرقة والتشتت, ووسيلة للتدخل
الأجنبى, بل وإن "عبدالناصر" لم يكن يؤمن بمبدأ الفصل بين السلطات ، وهو
أحد أعمدة النظام الديمقراطى فكان يربط بين الترشح للمجالس التشريعية التى
كانت موجودة فى عهده وبين موافقة الإتحاد الاشتراكي على هذا الترشيح هو من
شأنه الإخلال باستقلال السسلطة التشريعية.
وأكد حسب الله ، أنه لا يشكك فى نية الرئيس "عبد الناصر" و وطنيته واخلاصه
إلا أنه لم يأخذ بالوسائل الديمقراطية في الحكم , فكان ما يسمى بالإتحاد
الإشتراكى العربى هو المنظومة الوحيدة التى يفترض أن تضم كافة قطاعات الشعب
لا لممارسة دورهم في الحكم إنما لترديد الشعارات وتلقين المواطنين
العبارات الرنانة وحصارها بتوجهات سياسية وفكرية أقرب إلى التعبئة
الجماهرية منها إلى ممارسة الرأى و الرأى الأخر.
وقد صاحب ذلك محاكمات صورية ومهازل إنساية وانتهاك للحرومات واعتداء على
الأموال و الأرواح لأنهم حاولوا التعبير عن رأيهم من قبل زبانية الحكم
ورجال السلطة انذاك.
وأشار حسب الله ، أنه فى عهد الرئيس "محمد أنور السادات" استمر الحال على
ما هو عليه ، حتى حدثت ثورة التصحيح وبعدها فطن "السادات" إلى أن الحكم
الفردى والنظام الشمولى هو درب من الظلام يتحرك فيه خفافيش تسعى إلى تحقيق
اطماعها والسيطرة على مجريات الأمور, فنص دستور 1971 على حرمة الحياة
الخاصة للمواطنين وتجريم الإعتداء على الأفراد أو تعذيبهم وعدم سقوط هذه
الجريمة بالتقادم.
وأوضح الناشط الحقوقى ، أن هذا لا يعنى القبول بنظام الحكم الديمقراطى,
فكانت الحياة السياسة تتبع نظام الحزب الواحد و الإعتماد على النظام
الإشتراكى هو محور النظام الدستورى, رغم أن دستور 1971 قد تضمن فى المادة
الخامسة على التعددية السياسة هى أساس الحكم في الدولة ، إلا أن هذا النص
لم يكتب له التطبيق الفعلى.
وقد حدثت انفراجة فى الحياة السياسة بعد ذلك أصدر الرئيس "السادات" قرار
بانشاء منابر للرأى تعبر عن اصحاب الاتجاهات السياسية المختلفة بالمجتمع,
ولم تكن هذه المنابر ترقى إلى مستوى الأحزاب السياسية إلا أنها أسهمت في
ايجاد الرأى و الرأى الأخر ولو في صورة بسيطة لم تكن هناك ديمقراطية
بالمعنى الحقيقى.
وأصدر الرئيس "السادات" قرارا بتحويل تلك المنابر إلى أحزاب سياسية ، إلا
أن الواقع يؤكد أن الحزب الحاكم ثم الحزب الوطنى الديمقراطى حفيد الإتحاد
الاشتراكى ، لأنه الحزب الوحيد الذى يمتلك السلطة والنفوذ وإن ما عداه من
أحزاب إنما هى مجرد أحزاب كرتونية صورية هشة لا تسمن ولا تغنى من جوع.
فكان "الحزب الوطنى" الذي يرأسة رئيس الجمهورية ، يحتل أكثر من 90% من
مقاعد البرلمان من خلال انتخابات تجرى بمعرفة "الحزب الوطنى" ذاته والحكومة
تحت حماية الشرطة ، مما أدى إلى تزويرها وكانت نتائجها محسومة مقدما, ترتب
على ذلك تهميش دور الأحزاب الأخرى واضمحلالها تدريجياً فضلاً عن عزوف
المواطنين عن العمل السياسى بسبب مشاعر الإحباط و الفشل الناتجة عن تزوير
إرادتهم في الإنتخابات.
وقامت الحكومة بالتحايل على التعددية السياسية من خلال وضع القيود فى قانون
الأحزاب السياسية بحيث يضمن قيام الحزب الحاكم على حساب الأحزاب الأخرى,
وفى نهاية عصر السادات اتجهت الدولة إلى سياسة الانفتاح, إلا أن هذا
الانفتاح لم يصل إلى الحياة السياسة.
وأوضح حسب الله ، أنه فى عهد الرئيس المخلوع "محمد حسني مبارك" زاد الأمر
سوءاً مما كان عليه الحزب الحاكم المتمثل فى "الحزب الوطنى" متحكم ومتسلط
يقوم بادارته عواجيز السياسة من رجال كل الموائد و من ورثة الإتحاد
الإشتراكى والمنتفعين, يحتلون مناصبهم بأسلوب انتخابى هو أقرب إلى التعين
منه إلى الإنتخاب.
ومن الطبيعى أن هولاء لا يسمحون لغيرهم بمنافستهم أو مشاركتهم ، ولو بالرأى
في إدارة البلاد ولهذا تكن هناك حرية رأى, فضلاً عن وجود قيود كثيرة على
تكوين الأحزاب أو إنشاء الصحف وزاد الأمر سوءاً أيضاً عند فرض قانون
الطوارئ على البلاد الذى استمر طيلة حكم "مبارك".
وأشار الناشط الحقوقى ، إلى أن تغول نفوذ الشرطة وفسادهم واعتقال كل معارض
وتلفيق التهم لكل صاحب رأى أو معارض وخراب البنية الأساسية لمعظم مرافق
الدولة وفساد فى جميع سلطات الدولة, والأعجب من ذلك أن الإعلام كان يعد كل
هذا من انجازات "مبارك".
وقامت ثورة 25 يناير وتنفس الشعب المصرى معنى الحرية فتم إلغاء قانون
الطوارئ وانتشرت الصحف بل وتم حل "الحزب الوطنى" الذى أفسد الحياة السياسية
، وكثر الإعلام المؤيد والمعارض على حد سواء ، وتعدى الأمر إلى ما هو أبعد
من المعارضه بل إهانة "رئيس الجمهورية".
إلا أن حدثت ثورة 30 يونيو ، على الرئيس المعزول "محمد مرسي" وتحديد اقامته
وتقديمة للمحاكمة ، فهناك بعض الثوار من يرى أنها ثورة تصحيح مسار، والبعض
الأخر يرى أنها إنقلاب على الشرعية ، وبمناقشة النتائج نجد انه ترتب على
ذلك اختفاء المعارضة من الحياة السياسية فكل من يعارض المجلس العسكرى
والحكومة هو إما خائن أو عميل يجب تقديمة للمحاكمة مثلما حدث فى عهد "عبد
الناصر".
وعودة قانون الطوارئ مرة أخرى مثل عهد "مبارك" ، وإغلاق الصحف وحل الأحزاب
وتعطيل القانون وتعطيل الحياة السياسية بحجة القضاء على الإرهاب وحشد
الجماهير بشعارات من لم يكن معنا هو ضدنا وضد مصلحة الوطن ، هو ما يجعلنا
عدنا إلى ثورة يوليو 1952.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق